الخميس، 28 يونيو 2018

المعسكر 6 .. الأخيرة



قرب نهاية الليل و قبل بزوغ الشمس بحوالي ساعتين و أكثر .. وقفت الفصيلة على شكل طوابير منتظمة الشكل في أبعد أركان باحة مركز التدريب، متكوم أمامهم كومة من الخردة من أشياء عجيبة ليس من المفترض أن تكون موحوه لا في هذا الزمان و لا المكان .. يقف أمامهم ضابط المركز يده خلف ظهرة و بجانبه ناجي الأزهري يقف مرتديا زيا غريبا ليس له علاقة بالزمن المعاصر الذين نعيشه الآن – درع من المعدن منقوش عليه كلمات باللغة العربية غير واضحة القراءة و سيف طويل يسند به على الأرض كأنه عصا – قاطع الضابط عادل الدميري هذا الصمت قائلا:

ــ طبعا اللي بيحصل معاكوا محدش من بقية الفصايل يعرف حاجة عنه .. كلها طراطيش كلام، زي ما حد من فصيلتكوا و اللي هو عمرو العاصي ورطنا التوريطة دي يبقى هو و فصيلته هما اللي يحلوها .. ناجي الأزهري جاب الأسلحة اللي تنفع مع الدور الخامس و الباقي عليكوا .. ناجي.

تقدم ناجي خطوة للأمام بزيه العجيب و قال:

ــ الجن اللي فوق طالبين رأس عمرو زميلكوا بالإسم و إلا هينزلوا علينا كلنا يهلوسنا و يركبونا وعلى ما تجلنا أي نجدة من القاهرة تلحقنا هنكون كلنا ضعنا، يا نسلمهم رقبة عمرو يا نطلعلهم فوق و نعرفهم اننا مبنهربش و مبنبعش حد مننا.. أحنا واقفين في أبعد حتة في حوش المركز بس هما أكيد سمعنا دلوقتي و جاهزين كمان .. أنا جايب لبس يحصنا و أسلحة تخترقهم يكفي خمسة أول اتنين هيبقى أنا و عمرو طبعا و مستنين تلاتة منكو يطوعوا يجوا معانا .. مين جي معانا.

أنهى ناجي كلامه و عم الصمت المكان متوقعا أن يتهافت المجندين على التطوع و لكن لم يرفع أحد يده و بعد برهة تقدم عمرو يقف بجانب ناجي، ثم رفع محمد الطحلاوي يده متقدما ليقف بجانب كل من ناجي و عمرو، و في تردد و يد مهزوزة رفع السباعي يده مرتعشة ثم تقدم يقف جانبهم، صمت الجميع و لم يرفع أحد آخر يده للتطوع في هذا الأمر المجنون.

ــ أنا هاخد معايا الواد غمري قلبه ميت.

قالها ناجي للضابط عادل الذي أومأ برأسه موافقا ثم أشار لبقية الفصيلة أن تنصرف و بقى المتطوعين الخمسة الذين سيقتحمون الدور الخامس من المبنى الاوحد من معسكر المماليك.

تفحص الأربعة الباقيين تلك الأسلحة الغريبة التي أتى بها ناجي من بلدته، بالفعل تكفى لأربع أشخاص .. دروع صدرية من المعدن، منهم من يرتديهم من الأعلى كالقميص و منهم من يعقد أزراره كالقميص من الأمام، أرتدي عمرو و الطحلاوي تلك الدروع التي تغلق من الأمام بالأزرار و السباعي و الغمري ارتدوا الدروع الأخري .. اشتركت تلك الدروع في الكلمات المنقوشة عليها، ببعض التدقيق تعرف أنها نفس الكلمات.

وقف الأربعة المصاحبين لناجي ينظرون للسيوف الملقاة أرضا محتارين في اختيار أسلختهم التي منقوش عليها هي الأخري كلمات غير مفهومة بالعربية .. قطع ناجي حيرتهم و انحنى يختار لكل واحد منهم سلاح من الأسلحة – سيوف هلالية و سيوف التي يرأسها كرة حديدة و سلسلة حديدة.

وقفوا ينظرون لتلك الأسلحة العجيبة في يدهم ثم قال الطحلاوي مدققا في السيف الهلالي في يده:

ـــ ايه لزمة الأسلحة دي كلها يا ناجي.

رد ناجي: ـــ من غير اللبس اللي احنا لبسينه و الأسلحة دي منعرفش نتعامل مع الجن، الحاجات دي هتخليهم مرئين و ملموسين فنعرف نقتلهم .. خلي بالكم لازم تركزوا و متخافوش حياتنا أو حياة عمرو .. امسكوا الأسلحة و جربوها و اتعودواا علي الضرب بيها عشان تتعودوا على تقلها، و اجهزوا عشر دقايق و هنطلع.

تبقى ذلك الخنجر أرضا وحيدا فالتقطه عمرو في خفة مستعدا للصعود للدور الخامس لتبدأ المعركة.

القمر يضيء المكان بجانب الإضاءة الحمراء المنبعثة من المصابيح القليلة المتناثرة في أرجاء المبنى، سلم المبنى واسع، يتسع لصعودهم الخمسة بجانب بعضهم – ناجي و عمرو و الطحلاوي و السباعي و غمري- متأهبين بتلك الأسلحة مرتدين تلك الدروع المعدنية المنقوش عليها كلاما بالعربية .. وصلوا للدور الخامس و هدأت خطواتهم، مترقبين، مستعدين، متحفزين، متوترين، و صلوا للدور الخامس – الدور الموعود – تقدمهم ناجي و خلفة عمرو ثم بالترتيب الطحلاوي و السباعي و غمري .. بخطى بطيئة مترقبة، يبحثون بأعينهم في المكان منتظرين أي جسم في حدود الجسد البشري يظهر من أي مكان.

وقفوا الستة في مكانهم منتظرين قابضين على سيوفهم .. نعم هم الستة .. هناك شخص سادس يقف خلف الغمري لا يمسك سيف و لكنه يقف قريبا للغاية من الغمري.

توقف الوقت قليلا .. كل منهم يتمنى أن يكون هذا كابوسا آن له أن ينتهي .. يسمع كل منهم نبضات قلوبهم بعضا و سط صوت الرياح، التفت ناجي لهم - بعد أن كانت ظهروهم لبعض - ليحدث أي تغيير، وقف ينظر لهم في أعينهم ثم انعقد حاجباه في شدة عندما رأي هذا الذي يقف خلف الغمري فبدون تردد هتف:

ــ غاااااااااامري.

صرخ بها ناجي.

التفت غمري بسرعة مطوحا بسلاحه في أي اتجاه،فد فبمهارة وسرعة غير طبيعية فادى هذا الجسد السيف ثم مسك قدم الغمري أوقعه ثم جره ساحبا إياه للغرفة الفارغة المظلمة المجاورة ليختفيا فيها .. صادر منها صراخ كصراخ النساء .. نااااجي .. نااااجي.

ظهر ذلك الطيف من خلف السباعي ليحيط عنقه بذراعه مكبلا حركته .. طوح السباعي سيفه يمينا و يسارا بحلاوة روح و لكن ذلك الجسد رجع للخلف حتى و صل للسور ثم قذف السباعي بقوة من الدور الخامس ليسقط أرضا جثة هامدة.

كلما سبق حدث بسرعة و في نفس اللحظة أمام أعين الباقيين، الصق عمرو و الطحلاوي ظهورهم ببعض قابضين على سيوفهم حتى قال لهم ناجي:

ــ متسمرين كده ليه أتحركوا يلا .. هنموت كده.

أخذ عمرو الخطوة و بمهارة ولياقة تدل على تمرسه القتال، رأي ذلك الجسد الهلامي – أطول منه قليلا – يقترب منه و بحركة مزدوجة منه تفادى الضربة الموجهة له ثم غرس السيف في بطنه ليشقها، وقع الجن ثم ابتلعته الأرض ليختفي .. تجرأ عمرو و اندفع لقتال غيره .. ناجي و الطحلاوي أيضا تجزؤا بعد عمرو و ركلا و لكما و غرسا نصال سيوفهم، شقوا البطون و قسموا الظهور و قطعوا الأيدي و الأدرع و الأوتار و الرقاب، خرقوا الأعين.

طال القتال و سهل عليهم قتل الجن، حتى مر من الوقت الكثير و هم يقاتلون بلا هوادة أو توقف .. انهكهم التعب و ظهر عليهم، لكن التعب لم ينل من عمرو، استمر في القتال و لكن في وسط تلك الأحداث تذكر شئ مهم للغاية قد اخبرهم به ناجي الذي اخبرهم سابقا: (كنت واقف قدام واحد من الجن شكله الريس بتاعهم و واقف وارايا اربع افراد من الحن) اذا من المفترض أن يقاتل خمسة من الجن و لكنه يقاتل بلا توقف منذ ما يقرب من الساعة .. لمح عمرو التعب في جفون ناجي و الطحلاوي ثم قال:

ــ دلوقتي.

قذف سيفة المنقوش عليه بالعربية ليخترق صدر أحد من الجن المحيطين به، ثم انحنى ليخرج من جورب يمينه ذلك الخنجر المنقوش عليه بالعربية من ضمن الأسلحة التي احضرها ناجي، و من جورب يساره اخرج خنجر عادي تماما غير منقوش عليه أي كتابات .. عندما اخرج الخنجرين ممسكا بهم توقفت الحركة و خرج خمسة من الجن من أماكنهم، منهم من ينزل مخترقا السقف بيسر و منهم من يأتي من الأسفل و منهم من خرج من جسد الأخر .. و كان هذا الترتيب.

عمرو ممسكا الخنجرين.. أمامه خمسة من الجن .. الطحلاوي و من خلفه ناجي.

نظر ناجي لعمرو الذي يمسك الخنجرين و فهم .. و بحركة غادرة انقض على الطحلاوي الذي يقف مذهول من ظهره مكبلا ذراعية، و غرس نصل سيفه القصير بجانبه جابرا إياه أن يتحرك معه للروف الخارجي من نفس الدور .. انسحب كبير الجن مع ناجي للخارج، تاركين عمرو مع الأربعة من الحن.

انعقد حاجبي عمرو للغاية من تصرف ناجي الغادر و الذي كان يخشاه منذ البداية، عقد العزم و استعد لخوض هذا القتال مع آخر اربعه من الحن .. ضم الخنجرين على بعض ليصنع منهم خنجر واحد في يد واحدة .. و بتحفز واضح و تحدي انقض الخمسة على بعض .. عمرو و اربعة.

أحتدمت المعركة بين عمرو و الحن الأربعة .. سرعة و تفادي و لكمات و ركلات و انقضاض .. انغرس الخنجر المزدوج الذي صنعه عمرو في بطن الأول ، قفز و تدحرج ثم طعن الثاني من الخلف .. تكبيل و محاولات ثم تكالب ثم إفلات ثم قطع رقبة الثالث من الخلف .. جري ثم جري ثم جري ثم اخترق الرابع.

قام عمرو من قفزته ناظرا خلفه فوجد الأجساد التي قتلها الآن ملقاة أرضا جثث هامدة .. و قتلت هذه المرة بالفعل ليس عليه مقاتلتهم للأبد كما حدث منذ قليل .. ترك المكان ليلحق بناجي و كبير الجن و الطحلاوي.

وقف ناجي و مازال مكبلا جسد الطحلاوي تحت تهديد السيف، منتظرا أما أن يأته خبر عمرو أو يأتي عمرو بنفسه .. حتى دخل عليه يبدو عليه الإنهاك فقال له له ناجي:

ــ انت قتلتهم ازاي .. المفروض ميمموتوش.

نظر له عمرو بغضب شديد و هو مازال يلتقط أنفاسة و قال:

ــ كنت حاسس انك معاهم من الأول.

ــ مش بأيدي يا ابن عمي .. بس لازم نطيعهم .. خليك واقف مكانك و الا هخلي الطحلاوي يدفع تمنك.

ــ من ساعة ما دخلت المركز و سيطرتك على كل حاجة فيه بشكل غير مباشر و الناس اللي الخوف اللي انت مخليه مسيطر على تفكيرهم و بيسمعوا كلامك من غير تفكير عشان فكرينك بتحميهم من أسيادك .. و السلاسل الفارغة اللي ملبسهلنا و الظروف ساعدتك ان في واحد منهم اتجمد لأنه كان بيراقبني وقت العاصفة ، و استغلت الموضوع عشان تقنع الناس ان السلسلة هي اللي بتحميهم .. و كل صلاة اللي بنخلينا نصليها سبع مرات و التخاريف دي كلها من خيالك .. في الحقيقة انا كنت هبلعها زيهم لغاية لما عملت التمثيلية اللي عملتها في المسجد و نسيت ان المسجد متحصن و مستحيل مخلوق يخشة غير البني آدمين، ساعتها شكيت فيك.

ــ عشان كده صليت برة المسجد آخر مرة.

ابتسم عمرو و قال:

ــ انت لقتطها؟؟!! .. انا صحيح مش بشتغل مع ابويا .. بس بعرف اشتغل الشغل ده كويس قوي .. انا فعلا كنت ساجد على الأرض بس مكنتش بصلي انا كنت بسمع قريني - بس أنا قريني مبطلعوش فوق الأرض - اللي عرفني عنك كل حاجة و تاريخك و تاريخ عيلتك القذر .. انتو اللي زيكو لازم يتحرق صاحي.

حاول عمرو أن يخطو للأمام فقال ناجي بصوت هادر:

ــ متتحركش يا عمرو .. انت ايه اللي خلاك تتعدبس ورايا.

ــ حاجة بسيطة خت بالي منها و انت بتتكلم مع الضابط عادل قدامي لما قولت (الأسلحة اللي بتقضي عليهم لازم يكون محفور عليها طلاسم قتل الجان).

ــ و ايه اللي في كده خلاك تتدعبس ورايا.

ــ لما قلت الجملة دي و قولت كلمة جان بالطريقة دي .. لفتت نظري لأسمك و خلتني أنزل اتأكد من تاريخك كله لما لقتوني ساجد على الأرض.

انعقد حاجبي ناجي للغاية في غضب شديد و فهم ما يرمي اليه عمرو و لكنه سأل:

ــ ماله اسمي يا عمرو.

ــ ناجِ هي هي جان بالعكس .. انت خدام عندهم و ابوك كان بيتقربلهم فسماك .. جان.

ــ انت فعلا تستاهل تموت.

ــ و طبعا اسلحتك و دروعك اللي تعبت نفسك و جبتها من بلدكوا دي اللي بتخليينا نتلمس منهم و الأسلحة اللي عليها طلاسم تمنع موتهم بس أنا مكنتش مأمنلك عشان كده خدت معايا الخنجر العادي .. كان ممكن تسلمني ليهم أسهل بكتير من اللي الناس اللي ملهاش ذنب و ماتت.

ــ كان لازم يكون في ضحايا عشان الخوف يفضل مسيطر عليهم و محدش يتمرد عليا .. لو سلمتك للجن بالساهل كان فيهم اللي الشهامة هتخدوا و يرفض و يخرجوا برة طوعي.

في آخر حديثهم ذلك دخل عليهم الضابط عادل شاهرا مسدسه في وجه ناجي واقفا بجانب عمرو و قال:

ــ الكلام اللي أنا سمعته ده صح يا ناجي؟؟

ــ اللي جابك دلوقتي يا باشا أنزل احسنلك.

رد عادل و هو مازال شاهرا مسدسه:

ــ سيب الطحلاوي يا ناجي.

ــ ابعد انت يا باشا عشان متتلطش.

أخرج عمرو الخنجر المطلسم من جورب رجله ليقطع تلك الحبال التي تربط درعه .. ظنا منه أن الموقف انتهى و لكن قبل قطع الخيط كُبل من خلفه بقوة .. الجن ليس بكائن آدمي شفاف و لا مثل الماء و لكن في بعض الأحيان يكون مثل البخار بدون ملامح واضحة .. تحرك عادل ليصوب مسدسه للجن الذي يكبل عمرو.

قال ناجي بصراخ:

ــ امشي انت يا باشا أنت مش قد اللي احنا فيه دلوقتي.

أخذ عمرو يلوح بيده يمينا و يسارا لينقذ نفسه .. و لكنها كانت حركات للإلهاء فقط فبحركة مزدوجة وسط تلويحه أخرج خنجره العادي – و لأن الدرع هو الشء الذي يجعله ملموس للجن – و قطع به رباط الدرع من منتصفه و خرج منه تارك الجن ماسكا إياه فارغا .. ثم بحركة أسرع ضم الخنجرين – العادي و المطلسم - على بعض في كف واحد و دار بسرعة ضاربا رأسه ليفصل رأس الجن عن جسده .. وقعت الرأس منفصلة عن الجسد ثم سمعوا جميعا صراخ هذا الجن مدوي متردد في السماء.

تجمد المشهد على هذا .. التفت الضابط مصوبا مسدسه لناجي الذي لم يكن يتخيل أن يقتل سيدهم فنظر لهم ثم ترك الطحلاوي الذي هرول متدحرجا حتى وقف على مسافة ليست قريبة يراقب الموقف .. ثم امسك ناجي نصل سيفه بقبضتيه و غرسه في بطنه بمنتهى القوة ليتلوى على الأرض من الألم و الدماء تخرج من فمه .. ليؤذن بحرية عمرو و المعسكر جميعا من سجن الخوف الذي كان يملأ كيانهم. 


تمت.
مع تحياتي .. معتز حجازي.








الأربعاء، 16 مايو 2018

المعسكر 6








في نشاط خلية نحل كان يتحرك مجندين العنبر تنفيذا للأوامر و تجهيز أمتعتهم للبيات خارج المركز في غرفة من غرف التمركز الخارجية و ذلك بناءا على أوامر الضابط عادل الدميري، تجهز جميع المجندين حاملين أمتعتهم على ظهورهم خارجين في صف واحد، أوقفهم ناجي الأزهري بنداء بصوته العالي

ــ روح يا طحلاوي أنت و سباعي شوفلنا عمرو فين عشان منتأخرش .. هو كان قاللي هيروح يتوضأ، لو ملقتوش في الحمام بصوا عليه في المسجد.

ذهب الطحلاوي و سباعي مسرعين الخطى و وقف الجميع منتظرين، و ناجي الأزهري يتحرك ذهابا و إيابا في توتر ثم من بعيد سمع الطحلاوي ينادي بصوت عالي:

ــ الحقنا يا ناجي .. تعالي ياناجي.

ركض ناجي بسرعة متجها لمكان صوت الطحلاوي الذي يأتي من عند المسجد، توقف بالقرب منهم يتفحصهم ليفهم لما هم في تلك الوضعية، كان عمرو يصلي ساجدا على الأرض و السباعي و الطحلاوي كل منهم ماسكا ذراع من أذرع عمرو يجذبه بقوة ليجبرانه على الوقوف، حتى ان وجوههم تسرب إليها الاحمرار و نفرت العروق .. توقف ناجي مذهولا اقفا في مكانه ينظر لهم ثم سألهم بصوت مذهول:

ــ هو في أيه؟؟!!

رد الطحلاوي:

ــ أنت لسه هتسأل في أيه أعمل حاجة .. خليه يشيل رأسه من على الأرض؟؟

أقترب ناجي منهم في خطوات بطيئة تفحص عمرو جيدا، وجد بجانبه تلك السلسلة التي كتب عليها أسم الله القدير ملقاة بجانبه، و بذهول و استفهام أمسك السلسلة و ألقاها على رقبة عمرو ليرتديها و بمجرد أن لامست القلادة المربوطة بالسلسلة جسده، استجاب جسد عمرو لجذب الطحلاوي و السباعي حتى أنهم سقطوا على ظهورهم.

في إعياء شديد و بصوت مبحوح قال عمرو:

ــ أيه اللي حصل؟؟

سبق ناجي الكل من الطحلاوي و السباعي في الرد قائلا:

ــ المفروض ان أنت اللي تحكلنا حصل أيه .. احنا جينا لقيناك كده.

ــ انا اتوضيت عشان اصلي زي ما قولتلك .. فا قولت اصلي دلوقت و أضمن عشان ممكن اتشغل و أضيع عليا العشاء.

ــ و صليت برة المسجد ليه؟

نظر عمرو للمسجد و هو يحاول القيام من الأرض قائلا:

ــ المسجد مأفول يا ناجي.

صمت ناجي و هو ينظر لعمرو نظرات مريبة، فسأله:

ــ و قلعت السلسلة بتاعتك ليه؟

أمسك عمر السلسلة في عنقه ثم رد:

ــ أنا مقلعتهاش يا ناجي .. ممكن تكون وقعت مني و أنا بصلي.

صمت تام أحاط المكان و لم ينبس احدهم ببنت شفة، فقاطع ناجي الصمت:

ــ متأكد ان ده كل اللي حصل؟؟؟!!

ظهر الغضب على عمرو قائلا:

ــ قصدك أيه؟؟

ــ لأ مقصديش حاجة .. يلا على الطابور عشان أسلمكوا الأوضة.


***


تسلم المجندين تلك الغرفة الواسعة خارج أسوار المركز، تشتمل الغرفة على عشرين سرير و أربع نوافذ كبيرة تتخللها قضبان حديدية، تـأكد ناجي من تسلمهم لكل شئ ثم خرج منها و من وراءه خرج عمرو و الطحلاوي:

ــ متنساش يا عمرو زي مل قولتلك لازم تعملوا نوبة صحيان المكان برة المركز مش متحصن.

أومأ عمرو و الطحلاوي متفهمين كلام ناجي الذي تركهم و أستقل السيارة الوحيدة في المركز ذاهبا لبلدته ليحضر السلاح المزعوم.

اتفق عمرو و الطحلاوي أن يتناوبوا الصحيان حتى شروق الشمس و أستلم الطحلاوي النوبة الأولى و تركه عمرو و نام في الداخل و جلس الطحلاوي في الخارج ممسكا عصاه الخشبية جالسا على كرسي خشبي متهالك من خلفة الغرفة الصامتة و من امامه الصحراء القاحلة التي لا يرى منها سنتيمتر واحدا.

كان الطحلاوي غير معتاد على تلك الأجواء الصامتة المرعبة و كل دقيقة ينظر لساعته حتى يوقظ عمرو ليأخذ نوبته، و لكن حين تشتهي الفرار تتباطأ الأقدار و تتسارع الأكدار .. مرت ثلاث ساعات على الطحلاوي كثلاث عقود حتى أنه ظن أن شيب ابيض قد ظهر له ..

في نهاية نوبته، سمع صوت مألوف له و لكنه لم يكن يتمنى أن يسمعه الآن في هذا الوقت أو المكان فتح عينيه وجد أمامه ثعلب ضخم للغاية من ثعالب الصحراء و لكن المشكلة لم تكن تكمن في الثعلب الذي يزمجر و إنما أتباعه الذين يقفون خلفة الذين قاربوا العشرين ثعلبا و كلبا .. ترجل الطحلاوي من الكرسي ببطء ممسكا عصاه في تحفز و بيد مرتعشة غير واثق أنه من الممكن أن يفعل أي شئ في مواجهة كلاب الصحراء البرية التي تنظر له بتحفز غريب غير حيواني مليء بالمشاعر البشرية المقيتة.

أنتفض الطحلاوي بقوة عندما وضع عمرو يده علي كتفه يناديه بحركة هادئة حذرة،ـ أشار له عمرو أن يرجع للخلف بحركة بطيئة و بدون إصدار صوت، بالفعل رجع الطحلاوي بخطوات بطيئة للغاية و هو ينظر للكلاب التي صوت زمجرتها يتصاعد يراقبونه في صمت غير فاهمين ثم أدركوا الخدعة فانطلقوا ناحيتهم راكضين مسرعين منقضين لأنيابهم مكشرين .. كانا عمرو و الطحلاوي على بعد خطوة من الباب فأمسك عمرو الطحلاوي من لياقة قميصه جاذبا إياه بقوة شديدة يدخله الغرفة و يغلق الغرفة بقوة لتصطدم الكلاب واحد تلو الآخر ببعضها، بعد أن كانت أنياب الكلاب على بعد مليمتر من الطحلاوي .. وقف كلاهما يلتقط أنفاسه من الخوف و الفزع ثم التفتا خلفهم مسترحين و ما وجدوه داخل الغرفة جعلهم يوقنون أن الكلاب خارجا أرحم كثيرا مما وجدوه داخلها.

الكلاب تنبش باب الغرفة بمخالبها من الخارج .. و عمرو و الطحلاوي يمسكا عصاهم في تحفز بقبضة قوية .. كان مجندين الغرفة غير راقدين على أسرتهم واقفين ظهورهم في ظهر بعض في منتصف الغرفة حتى لا يدخل شئ بينهم كل منهم ممسك شئ ما في يده استعدادا لمعركة وشيكة، منهم ما يمسك بيادته و منهم من يمسك سكين و منهم من يمسك عصا و منهم من كور قبضته العاريتين.

و على مشارف النوافذ الأربعة للغرفة كان يتسلل ببطئ زاحف حيات من جميع الأشكال و الأحجام و الألوان و الأنواع تحاول دخول الغرفة.

قال لهم عمرو في صوت قوي واثق:

ــ يا رجاله متخفوش .. هنهجم بضربة واحدة على الرأس مرة واحد هيموتوا.

ثم حدث نفسه بصوت خافت غير مسموع:

ــ و الله أعلم هما كام واحد.

ثم تابع بصوت عال:

ــ هنعمل صفين قدام كل شباك أول صف قدم الشباك على طول، يضرب الحية قبل ما تخش من اللشباك على راسها و الصف التاني اللي وراه هيتابع عشان لو الصف الأول فلت منه حاجة التاني يضرب .. مش عايزن الحيات تدخلنا الأوضة مهما كان التمن، و لو حد من الصف الأولاني تعب يغير من اللي واقف في الصف التاني .. يلا يا طحلاوي يلا يا سباعي .. اتحركواا.

و بدون مناقشة تم تنفيذ اقتراحات عمرو بسرعة لمناسبتها للظروف .. و بدأ القتال على الفور بدون هوادة انقضت جميع الصفوف الأولى من بينهم عمرو بسرعة يضربون تلك الحيات التي تحاول الدخول من نوافذ الغرفة، تكاثرت أعداد الحيات التي تدخل و بدأ يتساقط منها دون أن يموت على يد الصفوف الأولى فتستقبله الصفوف الثانية لتذيقهم الندم، و في الخلفية صوت عواء الكلاب في الخارج التي مازالت تحاول الدخول .. تواصل القتال لما يقارب الساعتين متواصلين من قتل الحيات التي تملك إصرار غريب في الدخول من النوافذ و كأن أعدادها لا تنتهي، أصبحت جثث الثعابين المقتولة يتزايد تحت أرجل المقاتلين حتى صار من الممكن أن يقفوا عليها .. و بدون مقدمات اختفي صوت الكلاب التي تعوي في الخارج و توقفت عن نبش الباب بمخالبها، ثم انفتح الباب بقوة شديدة و اقتحم ناجي الغرفة و هو يرتدي زي غريب و كأنه لم يذهب لبلدته ليحضر بعض السلاح القديم و إنما رجع بالزمن ليحارب في جيش صلاح الدين، فقد كان يرتدي درع من الحديد على صدرة و رمح قوي من الحديد و يمسك درع مستطيل الشكل في يده الأخري قائلا لهم:

ــ وسعوا.

أفسح المقالين الطريق ودخل ناجي الغرفة ثم و بقوة بطل خارق ضرب الرمح في الأرض في منتصف الغرفة ليننغرس في أجساد جثث الثعابين ثم أخترق الأرض، ثم ثبت عليها الدرع المستطيل بمشبك حديدي من الأعلى و كأن الرمح و الدرع طقم مترابط ببعضه و مجهز لهذه الأفعال .. جلس ناجي القرفصاء تحت الدرع وضربه بكفة بقوة الدرع من طرفة فبدأ الدرع في الدوران بسرعة و بدأ ناجي يقول بعض الأشياء بصوت خافت.

وقف الجميع ينظرون لأفعال ناجي الغريبة و التي على اثرها بدأت الحيات في الانسحاب من النوافذ و تترك الغرفة هاربة، أستمر ناجي هكذا ما يقارب العشر دقائق حتى انتهي الخوف و فرغت الغرفة من الثعابين .. فوقف ناجي بشموخ و انتزع الرمح و الدرع من مكتنهم و التفت للمجندين قائلا بصرامة:

ــ جاهزين يا رجالة.

و يبدو مما شاهدوه هذه الليلة أن ما هو آت أصعب، و خارج حدود الإدراك و ما فعلة ناجي أمامهم الآن أشعرهم بمدي عدم منطقية الموقف القادم .. و الذي سيحمل الفصل الأخير.

أنتهى الجزء السادس
مع تحيات معتز حجازي.
في أنتظار أرآكم

الأربعاء، 2 مايو 2018

المعسكر 4




انصرف عمرو بعد التحية العسكرية و خرج من المكتب ليذهب للمسجد لصلاة المغرب جماعة .. نزل عمرو على ركبتيه ليخلع حذاءة فأمسكته يد من كتفه فنظر من أمسكه فوجده ناجي الأزهري قائلا:

ــ أنت بتعمل أيه؟

ــ هصلي.

ــ لأ انت هتصلي معايا في أخر جماعة و دي تعليمات عادل باشا رجلي على رجلك و أي حاجة غلط هتعملها هبلغه بيها.

أنقضت الست جماعات المغرب ودخلت الجماعة السابعة ، و قف ناجي الأزهري إمام للصلاة و كبر تكبيرة الإحرام و من خلفة عقد عمرو و الطحلاوي و محمود السباعي و آخرين سواعدهم بدئا للصلاة و هم متوسطين الصف الأول منتظرين أن يبدأ في قرآة الفاتحة جهراً و مر الوقت ببطء و لكن دون شئ.

الدقيقة الأولى، الثانية فالثالثة و لكن الأمر أصبح مللا للغايه و أقرب للهزل منه للصلاة، رفع عمرو رأسه متفحصا ناجي الأزهري و لكن وجده يقف شاخصا لأعلى و أذرعه بجانبه بدون حركة، ظل ينظر إليه و لكن ليس هناك جديد و ..

لمح عمرو أن جسد ناجي في بدأ في الأرتعاش، بدون تردد خرج عمرو من وضعية الصلاة و ذهب ليتفحص ناجي ففوجئ عمرو مصعوقا بحالة ناجي الأزهري الذي ينظر لأعلى متيبسا جسده كله و ضاغطا على أسنانه و ضروسه بقوة شديده حتى إن أصوات هذه الجز بدء في العلو ثم بدأت تنزل بعض قطرات الدم من بين أسنانه و عينيه تلونت باللون الأبيض لا تتوسطها دائراتنا السوداء و بدأ يزوم ناجي الأزهري بصوت عالي .. كل هذه و يقف أمامه عمرو عاجزا مشلولا .. لم يقف عمرو كثيرا حتى انضم له الطحلاوي و السباعي و البقية مذهولين مما يروه .

انقض الطحلاوي على فك ناجي الأزهري يحاول أن يفتحه عنوة خوفا من أن يهشم أسنانه إذا استمر على هذا الوضع قائلا:

ــ هاتولنا كوباية ماية نرشها عليه و لا حاجة.

بعد أقل من دقيقة رجع الغمري مسرعا يحضر كوب من الماء، و سلسة من قماش غريب معلقا بها عملة معدنية محفور عليها بعض الأشكال و الأحرف العربية، أخذ بعضهم في رش الماء على وجهه و علق الغمري السلسلة القماشية برقبة ناجي الذي أرقدوه أرضا و الغمري يقول:

ــ هو قالي البسه دي في أي موقف مش طبيعي ممكن يحصله.

ثم بدا في قرآة المعوذتين بصوت عالي و بترتيل جميل متقن وسط هذا الجو المليئ بالغموض و الضباب.

أستمر الوضع هكذا ما يقرب من الساعة حتى هدأ ناجي و رجعت عيناه لوضعها الطبيعي و ارتخي فكه على أسنانه، ارتكز ناجي على مرفقية محاولا رفع جزعه حتى نجح في ذلك بأعين مذهولة و أطراف مرتعشة نظر في الوجوه المحيطة حتي توقف بنظره عند عمرو ثم أشار إليه بأصبع مهتز و بصوت مرتعش سئل:

ــ أنت اسمك أيه؟؟!!

نظر عمرو حوله في استغراب ثم قال:

ــ أنا عمرو يا ناجي مالك؟؟ .

رد ناجي بصوت عالي:

ـــ أنا عااااارف .. أسمك عمرو أيه؟

الصمت عم المكان و بدأ المحيطين يلتفون لعمرو متسائلين، فلزم عمرو الصمت و لم يرد و إنما انعقد حاجباه في تحول لملامحه من البراءة للقوة و الغضب، فكرر ناجي:

ــ مبتردش ليهههههههه.

ــ أنا أسمي عمرو .. عمرو العاصي.


****


هدأ الموقف تماما و أستجمع ناجي الأزهري قواة و التف مجندون العنبر من حوله كأنهم في حلقة دراسية تاريخية كالتي كانت تقام في المساجد قديما، و بدأ ناجي الحديث:

ــ عشان أحكلكوا اللي حصل في المسجد و تفهموه، لازم تعرفوا الموضوع بدأ ازاي من الأصل.

تنهد ناجي تنهيدة حارة ثم أكمل:

ــ على عكس ما هو متوارث ان أبن آدم هو أول مخلوق عاقل وجد على وجه الأرض فإم قبل ابن آدم كان في قومين عيشين على الأرض قوم الحن و قوم البن – الحن بحرف ال ح – عاثوا في الأرض فسادا و اكثروا فيها الفساد و دارت بينهم خلافات ادت لنشوب حروب كبيرة ، فسلط عليهم ربنا قوم من الجن يقاتلونهم - و الجن دول في بعض الاجتهادات بتقول أنهم قبيلة من الملائكة و ميختلفوش عنهم – قاتلوا الحن و البن لسنين كادوا أن يفنهوهم و طردوا الشرذمة الباقية منهم في أطراف الأرض و البحار، و من بعدهم سكن الجن الأرض لكن تكررت نفس القصة مع الجن و اتقسموا جزء مؤمن و جزء كافر فأرسل الله عليهم الملائكة قاتلوا الكافرين منهم و طردوهم لقمم الجبال و و المناطق النائية التي لا يسكنها القوم القادم من بعدهم اللي هو احنا ابن آدم .. طبعا كل الإجتهادت دي كلها من بعض العلماء خلف الآية اللي بتقول ( أتجعل فيها من يفسد فيها و يسفك الدماء) و ده السؤال اللي كان من الملائكة لله و بينم على و جود تجربة قديمة فيها فساد و دماء و اللي فتح باب الإجتهاد و اللي علمة عند ربنا و محدش يعرف حقيقته غيرة.

سكت ناجي و نظر للجالسين أمامه محدقين ثم أكمل:

ــ و أنا داخل اصلي بيكوا و قبل ما أكمل تكبيرة الإحرام، كل حاجة اتغيرت من حوليه و لقيت نفسي واقف قدام واحد من الجن شكله الريس بتاعهم و واقف وارايا اربع افراد من الحن مصوبين ناحيتي رماحهم، محدش يسألني فرقت بينهم ازاي مين حن و مين جن لأن مفيش فرق واضح لكنهم عرفوني بطريقتهم، و على فكرة هما شبه البني ادمين في تكوينهم الجسماني و عندهم دم زينا بس محدش يعرف لونه أيه.

قاطعه الطحلاوي سائلا:

ــ انت عرفت الكلام ده كله منين يا جي؟!!!.

ــ تفتكر هما جايبني هنا ليه عشان ازهري و خلاص ؟؟ .. لأ ، لأني أنا و أهلي عارفين الكار ده من زمان و عارفين كل خباياة و نعرف نحمى الناس منه كويس، زي عمرو كده بالظبط.

التفت الجميع لعمرو ينظرون إليه نظرة أستفهام متفاجئين و هو يتبادل النظر معهم في صمت فأكمل ناجي:

ــ متقولهم أنت بتشتغل أيه و من نسل مين.

نظر عمرو أرضا في غضب معقود الحاجبين قائلا في هدوء:

ــ انا مبشتغلش مع أبويا و مبحبش الكار ده من زمان، بس أنا من نسلهم و اللي بيصيبهم لازم يصيبني .. زي ما باين من اسمي كده أنا اسمى عمرو العاصي من نسل الشيخ الجليل عمرو العاصي اللي كان واحد من خدام الصحابي الجليل عمرو بن العاص رضي الله عنه و اللي من كتر حبه فيه سمى نفسه على اسمه و سمى ابنه من بعده عاصي لتبدأ السلالة كلها بنفس الاسم، و كل أسامينا كده يا عمرو يا عاصي، يعني أنا اسمي عمرو و لازم اخلف ولد أسميه عاصي و هكذا.

رد ناجي:

ــ كمل بتشتغل ايه؟

ــ انا قولتلك مبشتغلش معاهم .. لكن أهلي هما اللي بيعرفوا يتعاملوا مع الجن و الحن و بيساعدوا الناس أنهم يخلصوهم من أي ضرر ممكن يجي عن طريقهم مش أكتر من كده.

نظر عمرو لناجي و سأله:

ــ لكن انت مقولتش ايه اللي حصل بعد ما لقيت نفسك قدام الجن و قالولك أيه؟!!

نظر ناجي لعيني عمرو نظرة طويله بغضب مما أخفاه عليه و على قائد المركز، و كيف رمي القدر هذا لشخص بالذات في هذا المركز الملبوس ليتم عليهم مصيبتهم الذين يعيشونها و متغافلين عن كل ما يدور .. ثم قال ناجي بعد أن خرج تلك الأفكار رأسه:

ــ عايزينك أنت يا عمرو.

و تجمد الموقف و الصورة تماما، لما تحمل طلبات الجن على لسان الناجي من معان خطيرة، تحمل في طياتها رائحة الدم الذي سينسال متدفقا و يعلم الله ما لذي يمكن أن يوقف هذا النزيف بين هذين العالمين.



انتهى الجزء الرابع

مع تحيات معتز حجازي.
للجزء الخامس أضغط على اللينك التالي

المعسكر 5









و تجمد الموقف و الصورة تماما، لما تحمل طلبات الجن على لسان الناجي من معان خطيرة، تحمل في طياتها رائحة الدم الذي سينسال متدفقا و يعلم الله ما لذي يمكن أن يوقف هذا النزيف بين هذين العالمين.

ــ عايزيني أنا؟

نطقها عمرو العاصى.

ــ آه .. هما عارفينك و عارفين نسلك كلهم واحد واحد و عايزينك عشان يوقفوا نسل العيلة بتعتك و ينتقموا لكل اللي حصلهم من أهلك و علمهم اللي ضر كتير منهم و اللي بسببهم أتفرق شملهم .. حظك إن الجن اللي هنا ده كان ليه تعامل قديم مع جدك و من ساعتها و هو هربان هنا و خايف يرجع لأهله، لغاية لما جه هنا و لقى كم واحد من الحن اللي سيطر عليهم و تزعمهم وعاش معاهم لغاية لما اشتغل المركز ده هنا بمجندينوا و عكننا عليهم عيشتهم و شاركناهم المكان لا ده بالعكس أحنا ضيقنا عليهم و فضلوا يعيشوا في الدور الخامس المقفول لغاية لما جيت أنت و قرروا أنهم يخرجوا من مكانهم عشان يخدوك .. أو بمعنى أوضح يقتلوك.

خيم الصمت على المكان وتناثرت الأفكار في أدمغة المجندين منهم من خاف و منهم من ارتعش و توقفت شعيرات جسده و منهم من ظل يلتفت حوله في قلق كأن هناك من يراقبهم أو يجلس معهم يسترق السمع لما يقولون حتى خرق الطحلاوي السكوت قائلا:

ــ طب احنا هنعمل أيه لعمرو دلوقتي يا ناجي باشا؟؟

رد ناجي:

ـــ هنروح أنا و عمرو نقعد مع الدميري باشا هنشوف هنعمل أيه في الورطة دي.


****


في غرفة الضابط عادل الدميري جلسوا ثلاثتهم صامتين بعد أن قص ناجي ما حدث في المسجد و طلب الجن في ترك عمرو لهم .. ثم قال عادل:

ــ ننزل عمرو إجازة مفتوحة .. او ننقله مركز ثاني.

رد ناجي:

ـــ لو هربناه من هنا مش هسيبونا في حالنا و ممكن يلبسوا أي حد و يهلوسونا.

عمرو:

ــ يهلوسونا؟!!!!

ــ آه عشان كده لما المبنى ده لما كان شغال من زمن طويل و كانوا بيجيبو فيهم ناس مجانين كانوا بيتجننوا أكتر لدرجة إن الناس اللي كانت شغاله هنا هي كمان كانت بتتهلوس .. لغاية لما سابو المكان و قفلوة، فا هيعملو فينا كده و يقضوا علينا كلنا.

الظابط عادل في سخرية : ممممممم .. هنعمل أيه يا عمرو باشا؟!!!

عمرو:

ـــ يا عادل باشا أنا عمري ما كنت أتوقع ان كل ده ممكن يحصل بسببي خصوصا إني متمرد و رافض عمل أبويا و أجدادي، لكن الأمر أمرك اللي تأمر بيه هعمله.

صمت عادل كثيرا و أغمض عينه بقوة ثم فتحهم و قال:

ــ مفيش قدامنا غير المواجهة، مينفعش نسيبلهم عمرو مهما كان التمن يا ناجي، و زي ما انت قولت لو هربناه ممكن يقضوا علينا كلنا .. لازم نواجه.

رد ناجي:

ــ أيوة يا عادل باشا بس دول حن و جن منقدرش نواجهم بأيدنا حتى الرصاص ميأثرش فيهم، العالم دي ليها أسلحة معينه.

قال عادل:

ــ أسلحة معينة أزاي؟!!!

ــ الفكرة مش في نوع السلاح .. لكن الأسلحة اللي بتقضي عليهم لازم يكون محفور عليها طلاسم قتل الجان.

رفع عمرو رأسه فجأه ينظر لناجي في تمعن كبير متفحصا أياه من أخمص قدميه حتى أطراف شعرة، حتى إن ناجي سأله:

ــ مالك يا عمرو؟

ــ لا مفيش بسمعمك .. طب و هنجيب الحاجات دي منين؟؟!!

ــ لو عادل باشا يسمحلي يوم أو يوم بليلة أورح أجيب كل اللي محتاجينه من البلد و آجي؟

نظر له الضابط عادل مترويا ثم هز رأسه بإيجاب موافقا ثم أكمل ناجي:

ــ و لغاية لما آجي لازم عنبر عمرو كله يبات برة المركز يا عادل باشا عشان ميجبوش الأذي للمركز بالكامل بعد ما عمرو فتحلهم سكة لما كان قالع السلسلة أنهم ينزلوا من الدور الخامس، و لأن المعسكر بتاعنا متحصن ضد الجن و ميقدرش يخرج منه لكن في نفس الوقت لما يلاقيهم بايتين برة يطمن رئيس الجن أنك لسة موجود.

عمرو في قلق:

ــ هنبات فين؟!!

ـــ هنفتحلكم أوضه من أوض التمركز الأمامي بيبقى فيها عشر سراير، نامو فيها لغاية لما أرجع و نشوف هيحصل أيه.

هز عمرو رأسه في أستسلام ثم قال الضابط عادل:

ــ ماشي يا ناجي بلغ الصول منصور بالترتيبات و أخلوا العنبر و أتحرك أنت مع شروق الشمس.

قام كل من عمرو و ناجي و أدوا التحية العسكرية ثم أنصرفوا و هم يخطو للخارج سويا أوقف ناجي الأزهري عمرو العاصي و قال:

ــ احنا هنعملكم إخلا من العنبر دلوقتي بس أنا لازم أقولك حاجة قبلها، البيات برة المركز الجن مش هيعدوه بالساهل أبدا، الجن مش هيعرفوا و انتوا برة يضروكوا لكن الجن دول ليهم أصحاب ممكن يخدموهم في أي وقت.

عمرو بذهول:

ــ أصحاب؟!!.

ــ لما إبليس كان عايز يخش الجنة لآدم و حوا عمل أيه؟؟!.

نظر له عمرو في أستفهام بدون أجابه فأجاب ناجي:

ـ دخل مع التعبان.

ــ أيوة ده إبليس يا ناجي؟؟

ـ إن أبليس كان من الجن يا عمرو .. التعابين أصحاب الجن و خدامهم فا لازم تعملوا نوة صحيان و الباقى نايمين و أنا هحاول أخرج معاك سلاح برده يمكن تحتاجه.

ــ سلاح أيه ياناجي هو احنا بنعرف نستخدمه؟؟

ـ آه صح .. خلاص أسلحة بيضه تنفع برده ..يلا بينا على الصول منصور عشان نبدأ نجهز.

بتردد قال له عمرو:

ـ طب بص أسبقني أنت و أنا هروح أخش الحمام أتوضأ عشان صلاة العشاء و أحصلك على العنبر.

ـ طيب ماشي متتأخرش.

تفرق كل منهم في طريق مختلف و بين كل لحظة و أخرى ينظر عمرو خلفه ليتأكد أن ناجي قد أبتعد عن مرمى بصرة ثم غير طريقة ليذهب لمكان آخر غير الحمام كما أخبر ناجي الأزهري، و يبدو ان عمرو سوف يفعل شئ خارج نطاق الخطة الموضوعة.


أنتهى الجزء الخامس 
مع تحيات معتز حجازي
للجزء السادس دوس عاللينك.
https://cattib.blogspot.com.eg/2018/05/6.html


الأربعاء، 11 أبريل 2018

المعسكر 3



عمرو كان مستلقيا، هواء دافئ يحتك بقفاه و هو نائم على جانبة، ظن إنها من الممكن أن تكون ذبابة أو تيار هواء خفبف، سرح في تفكيره مرة أخرى و لكن ذلك الهواء الدافئ المحتك بقفاه يشعر به بشكل دوري منتظم و كأن أحد ما يتنفس بانتظام، فزع من مكانه ليجلس على السرير و ينظر حوله متفحصا المكان لم يجد شيئا غريبا، جميع زملاءه نائمين في سبات عميق .. بطرف عينه لمح شيئا مارا خارج الغرفة، طفل بخارج العنبر يركض مارا من أمام العنبر .. نزل من على سريرة ليتأكد من ما رأته عيناه .. خرج من العنبر لينظر للممر خارج الغرف و جد أحد ما يرتدي جلباب يركض باحثا عن مكان ما، ركض عمرو و راءه ليلحقه و لكن لم يبلغه فتوقف يلتقط أنفاسة، حتى سمع بعض الجلبة و الأصوات تأتي من خلفة إ لتفت خلفة وجد زملاؤه في العنبر واقفين متراصين صفوف ينظرون إليه نظرات خاوية غريبة، نظرات لا تخرج إلا من أموات لا تملأها أي مشاعر ، ابتدئوا من الاقتراب منه بخطوات بطيئة و هو ينادي على أساميهم و لكن لم يردوا عليه مكملين في الاقتراب منه حتى بدأ عمرو في الرجوع للخلف متوجسا خيفة منهم و من تصرفاتهم الغريبة .. ظل يرجع للخلف حتى أصطدم بالسور فتوقف و بدأ بالصراخ عليهم أن يتوقفوا و لكن لا حياة لمن ينادي بدأت أجسادهم تلتصق به، حملوه من أقدامه و بكل برود ألقوه من الدور الرابع.

أستيقظ عمرو بفزع صارخا يسمع صراخه العالي و من حوله يتجمع زملاء عنبرة و أقرب شخص له ناجي الأزهري محدقا بوجه يرى انه يتكلم معه و لكن لا يسمع صوته ثم و بعد برهة بدأ يسمع همهمة زملاؤه من حوله ثم سمع ناجي الأزهري يقول:

ـ فين السلسلة اللي سلمتهالك، شوفت لما ملسبتهاش حصل أيه و من أول يوم .. هي فين؟

بعين زائغة و صعوبة النطق أشار عمرو للدرج بجانب سريرة، فتح الأزهري الدرج و أخرج السلسلة ثم وضعها على رقبته بقوة أشار لهم الأزهري أن يبتعدوا قائلا لهم:

ـــ يلا كل واحد على سريرة و قفلوا الباب كويس و أزنقوا بأي حاجة من ورا و الشبابيك تربسوها بالترابيس الزيادة عشان الرياح شكلها قايم جامد و ربنا يستر علينا لأن دي علامة مش كويسة .. المركز مجالوش رياح قبل كده.

أغلق المجندون باب العنبر و النوافذ جيدا و أستلقى كل منهم على سريرة بالذات مع ارتفاع صفير الرياح بالخارج الذي يزيد الاجواء خوفا أكثر مما هم يعيشون فيه .. أحاط عمرو نفسه بغطاء السرير و كأنه سيحميه من رياح الخارج متذكرا الكابوس الذي كبس عليه و ذلك الرجل الذي كان يرتدي الجلباب يركض مختبئ، و وسط صفير الرياح خيل لعمرو أن هناك صوت شخص ما يصرخ، قام بجذعه محاط بالغطاء و هو ينظر في العنبر لم يجد أحدا مستيقظا أو صارخا .. رقد مرة أخرى ثم سمع ذلك الصريخ ثانية يتعالى مع علو صوت الصفير في الخارج و كأنهم يتحدوا بعض كلما يعلو صوت صفير الرياح يعلو صوت الصريخ أكثر .. ظل عمرو مستيقظا طوال ساعات الليل لم يطرف له جفن، حتى هدأت الرياح و صفيرها و أختفى صوت ذلك الصريخ رويدا.

جاء ميعاد الاستيقاظ .. هب كل مجند من سريره و كأنهم كلهم كانوا مستيقظين لم يناموا مثل عمرو .. يتحركون في خمول منظم من الحمام لارتداء ملابسهم و في خضم تحركات و تجهيزات الصباح سمعوا صوت أحد ما ينادي فزعا من الخارج .. أنه صوت محمود السباعي زميله في نفس العنبر.

أندفع عمرو و الطحلاوي و الأزهري في مقدمة من خرجوا من عنبرهم ذاهبين لمكان صرخة زميلهم السباعي ثم توقفوا مكانهم متسمرين ناظرين مندهشين خائفين متسائلين مترقبين .. التفت السباعي لناجي الأزهري سائلا:

ــ أيه ده يا ناجي؟

ابتلع ناجي ريقة ليبلل حلقة الذي جف و قال:

ــ زي ما أنت شايف يا سباعي.

توقف الجميع ناظرا لهذا الهيكل الجليدي على هيئة بشرية يقف ممسكا بقضبان نافذة عنبرهم من الخارج و كأنه كان محبوس أو مستنجد، التفت ناجي الأزهري للجميع آمرهم :

ـــ يلا كله يروح يكمل لبسه و ينزل عشان متتاخروش على الطابور .. اللي بيتأخر على الطابور بياخد جزا صعب عليكوا.

انصرفوا جميعا ما عدا الأزهري و قف ينظر للهيكل ثانية يتفحصه .. سار عمرو بجانب محمود السباعي سائله:

ــ أنت روحت هناك ليه يا محمود؟

رد محمود:

ــ كنت بدور على الصوت.

ــ صوت أيه؟

ـــ هو انت مسمعتوش ؟ .. صوت الصريخ اللي خلانا منماش إمبارح.

ــ أيوا سمعته و منمتش برده.

بينما هم يجرون هذا الحديث كان يمر زميل لهم في العنبر المجاور بحانبهم، نادي عليه عمرو:

ـــ صلاح يا غمري .. أنت سمعت إمبارح صوت الصريخ؟

رد غمري في إندهاش:

ــ صريخ أيه؟!!!

عمرو:

ــ إمبارح بليل كان في صوت زي ما يكون حد بيصرخ برة العنبر منمناش كلنا بسببه.

ــ لأ مسمعتش حاجة، مكنش في صوت.

توقف عمرو و السباعي عن السير في صدمة و تركهم غمري و انصرف، انضم لهم الطحلاوي قائلا لهم:

ــ مالكوا في أيه .. أنتو مكنتوش متفاجئين كده عند ال ال .. تمثال الجليد ده، في حاجة تانية؟!!

نظر كلا من عمرو و السباعي للطحلاوي ثم قال السباعي:

ـــ غمري اللي في العنبر اللي جنبنا بيقول أنه مكنش سامع صوت الصريخ اللي كنا سمعينه امبارح بليل.

توقف الثلاثة شاخصين صامتين خائفين و كل يوم يمر عليهم في هذا المكان يحمل غموض أكثر و مجهول أكثر، متسائلين عن مصيرهم و ماذا يدبر لهم القدر .. خيرا يحمد عليه أم خيرا لا يحمد على مكروها سواه.

مر اليوم بشكل عادي تماماً، من طابور لطابور ، من ميز للفطار لميز غذاء، الأحداث عادية و لكن أمخاخ المجندين مشتعلة بالتفكير من ما حدث .. انتقلت الإشاعات و القصص كالنار في الهشيم بين المجندين و صف الضباط و وصلت بمبالغة و خرافات أكبر و بدأ الخوف يملأ الجميع.

بعد ميز الغذاء أستدعى الضابط عادل الدميري المجند عمرو، دخل عمرو مكتب الضابط عادل و أدلى له التحية العسكرية ثم قال:

ـــ أفندم.

ــ ممكن أعرف يا محترم مسمعتش الأوامر اللي قولتها امبارح ليه؟

ــ أنا نفذت كل الأوامر يا فندم.

بصوت هادر عالي قال عادل:

ــ ملبستش ليه ام السلسلة يا ... اللي سلمهالك ناجي الأزهري.

بصوت مرتجف قليلا قال عمرو:

ـــ أ أ أ أ

ــ بسبب استهتارك و عدم تنفيذك للأوامر معرض كل عنبرك للخطر .. لأن عنبركوا بس هو اللي صمع أصوات غريبة امبارح.

ــ كل ده بسبب السلسة بتاعتي يا باشا.

ــ افهم يا غبي .. احنا سلسلة كلها مربوطة ببعض لو حد مننا قطع السلسلة بعدم تنفيذه للحاجات دي، هنسمح لحاجات غريبة أحنا مش قدها ممكن تتدخلنا .. و ده اللي أنت عملته.

سكت برهة و التقط نفسا ثم أكمل:

ــ اللي حصل حصل .. من انهارده .. لأ من دلوقتي، تنفذ كل حاجة بتتعمل في مركز التدريب تصلي معانا مش زي ما عملت امبارح و تعملي فيها بورام و متصليش .. أنا مش بقولك تصلي عشان ترضي ربنا انا بقولك تصلي عشان لو حد فينا مصلاش هيخوشلنا عن طريقة.

ـــ مين اللي هيوخشلنا؟

نظر عادل لعمرو و صمت طويلا كأنه يفكر في شئ ما ثم قال:

ــ معرفش يا عمرو .. يلا أمشي.

انصرف عمرو بعد التحية العسكرية و خرج من المكتب ليذهب للمسجد لصلاة المغرب جماعة .. نزل عمرو على ركبتيه ليخلع حذاءة فأمسكته يد من كتفه فنظر من أمسكه فوجده ناجي الأزهري قائلا:

ــ أنت بتعمل أيه؟

ــ هصلي.

ــ لأ انت هتصلي معايا في أخر جماعة و دي تعليمات عادل باشا رجلي على رجلك و أي حاجة غلط هتعملها هبلغه بيها.

أنقضت الست جماعات المغرب ودخلت الجماعة السابعة ، و قف ناجي الأزهري إمام للصلاة و من خلفة يقف عمرو و الطحلاوي و محمود السباعي متوسطين الصف الأول و كبر ناجي تكبيرة الإحرام .. و لكن ما حدث بعد ذلك نقل كل التوقعات و الأحداث لللا رجوع.


اتنهى الجزء الثالث
مع تحيات معتز حجازي 
في إنتظار ارائكم و توقعاتكم


الأربعاء، 28 مارس 2018

المعسكر 2




تركهم الضابط عادل و سار في إتجاة المسجد تاركا خلفة أجولة من الخوف و علامات من الاستفهام التي تملأ أنفس مركز التدريب كلة، و بالذات عمرو الذي نظر للطحلاوي سائلا:

ـــ هو الراجل ده عايز أيه، يخوفنا و لا عايز يضمن إننا ننفذ الأوامر ؟

رد الطحلاوي:

ـــ هو مش محتاج يألف أي حاجة عشان ننفذ الأوامر .. إحنا في الجيش يعني في 100 حل يضمن بيه أننا ننفذ الأوامر.

ــــ انا مش مصدق القصة اللي حكاها دي.

ـــ أنا مصدقها لأن المبنى من جوة شكله غريب و مليان زخرفة في كل حتة.

عمرو معقود الحاجبين:

ــــ زخرفة أيه؟ مفيش زخرفة.

أشار الطحلاوي لحائط المبنى و هم يقتربون منه لصلاة المغرب جماعة كما أمروا:

ــ بص كويس، الزخارف مدهون عليها.

توقف عمرو عن السير و هو ينظر لحوائط المبنى، فوجد أنها مزخرفة بالفعل و مغطاة بالدهان .. فنظر للطحلاوي قائلا:

ـــ صح .. عندك حق .. عارف مين هيبقى عارف كل حاجة، أكيد ناجي الأزهري ده.

و صلا للساحة المقابلة للمسجد و التي يقف فيها جميع المجندين منتظرين حتى وجد عمرو ناجي الأزهري جالس أرضا و حيدا ممسكا سبحة و يسبح بصوت خافت فذهب إليه و ألقى علية التحية ثم جلس بجوارة قائلا:

ـــ إزيك يا شيخ؟

نظر ناجي الأزهري لرقبة عمرو ثم سألة مباشرة:

ـــ فين السلسلة يا عمرو اللي سلمتهالك؟

رد عمرو في إندهاش بالغ:

ـــ عرفت إسمي إزاي .

ـــ أنا عارف أساميكو كلكوا يا عمرو.

صمت عمرو مدهوشا بدون تكلم و لكن ناجي قاطع صمته:

ـــ مقولتليش فين السلسلة؟!!

ـــ مبحبش ألبس حاجة في رقبتي.

نظر إليه في استخفاف و نظر أمامه ليكمل تسبيحة، ثم فجأة قام ناجي من مكانه و هو يطرق بقدمة على الأرض و يرفع كفة بالتحية للضابط عادل الذي خرج توا من المسجد و معه مجموعة من المجندين الذين كانوا يصلون معه.

جلس ناجي مرة ثانية فسألة عمرو:

ـــ هو أنت مصلتش المغرب يا شيخ؟!!!

لم ينظر لعمرو قائلا:

ـــ أنا بصلي في الجماعة السابعة.

ـــ هو انتو بتعملوا سبع جماعات؟

ـــ أيوا الباشا عادل بيإم أول جماعة و أنا بيإم آخر جماعة.

ـــ بس ده كتير أوي .. طب ما ممكن تصلوا برا هنا جماعة واحدة و خلاص.

أدخل ناجي الأزهري السبحة في جيب سرواله و التفت لعمرو قائلا بنفاذ صبر:

ـــ شكلك بتاع مشاكل و هتتعبنا، هو انت مسعمتش الباشا و هو بيقول التعليمات تتنفذ و إرشاداتي تتعمل؟

ـــ و هي إرشاداتك تخلي الناس تفضل تصلي سبع جماعات؟!!!

ــــ أه

ــــ ليه

لم يرد الأزهري عليه و قام من مكانه ينادي على كل من إبراهيم و خالد ليدخلوا يصلوا معه الجماعة السابعة، تاركا عمرو في تجاهل تام.

وقف عمرو بين حيرته و أسئلته التي تزداد و تتوالد كل دقيقة، لماذا نادي ناجي الأزهري لإبراهيم و خالد يدخلوا المسجد وقت صلاة المغرب بالرغم من إنهم مَسيحين .. و لماذا لا يصلون بالخارج في مكان أوسع و جماعة واحدة للكل .. لماذا هذه الغرفة الضيقة لكي يصلوا فيها .. المكان فعلا غريب.

تكرر هذا الفعل مع صلاة العشاء بنفس الروتين و الطريقة و الترتيب و لم يصل عمرو معهم أيضا .. بعد انقضاء الجماعة السابعة لصلاة العشاء ذهب عمرو لناجي يسأله:

ـ لماذا تصلون في تلك الغرفة الضيقة؟

رد علية ناجي و هو متابعا السير:

ـ لابد أن تظل هذه الغرفة بالذات مليانة بالمصلين بإستمرار يا عمرو.

ـــ لماذا؟!!!

وقف ناجي من سيرة لينظر لعمرو قائلا:

ــ لقد كانت تلك الغرفة الصغيرة هي غرفة الإعدام الخاصة بالمبنى ، النظريات بتقول إن أصحاب المبنى كانوا عندما يواجهوا أي حالة مستعصية و تصبح خطر على من حولهم و ليس لها علاج معروف ذلك الوقت كان يعدموه بقطع رقبته .. ارتحت ؟ .. روح يالا عنبرك عشان تنام.

ذهب عمرو لعنبرة و هو يفكر فيما حدث من أول اليوم و كل تلك علامات التعجب و الاستفهام تحيط بكل الأشخاص و الأفعال، خطر ببالة أن يهرب من المكان و لكن هذا غير قابل للتنفيذ تماما وسط هذه الصحراء مجهولة المعالم.

دخل عنبرة و أستلقى على سريرة، مازال مفكرا معيدا للأحداث محاولا فهم المكان و التعليمات الغريبة و لكن ..

شعر عمرو و هو مستلقيا ان ثم هواء دافئ يحتك بقفاه و هو نائم على جانبة، ظن إنها من الممكن أن تكون ذبابة أو تيار هواء خفبف، سرح في تفكيره مرة أخرى و لكن ذلك الهواء الدافئ المحتك بقفاه يشعر به بشكل دوري منتظم و كأن أحد ما يتنفس بانتظام، فزع من مكانه ليجلس على السرير و ينظر حوله متفحصا المكان لم يجد شيئا غريبا، جميع زملائه نائمين في سبات عميق .. بطرف عينه لمح شيئا مارا بالخارج تعرف ما رآه و لكن ليس في ذلك المكان لأنه رأى طفل بخارج العنبر يركض مارا من أمام العنبر .. نزل من على سريرة ليتأكد من ما رأته عيناه .. خرج من العنبر لينظر للممر خارج الغرف و جد أحد ما يرتدي جلباب يركض يبحث عن مكان ما، ركض عمرو وراءه ليلحق به و لكن لم يقدر فتوقف يلتقط أنفاسة، حتى سمع بعض الجلبة و الأصوات تأتي من خلفة ألتفت خلفة و لكنه وجد شيئا لا يمكن أن يخطر على خيال بشر. 


يتبع بالجزء الثالث 
مع تحيات معنز حجازي   




المعسكر 1




عشر سيارات يسيرون خلف بعض في صف واحد لا تحيد واحدة عن الأخرى، من نظرتك الأولى تُيقن إنهم على علاقة ببعض ذاهبين لنفس الوجهة لأن جميعهم سيارات طويلة من نوع السبعة راكب، أية كانت نوعها بيجو أو مرسيدس .. يسيرون بنفس الرتابة و نفس السرعة .. في هذا الطريق الواحد ذي الاتجاهين، طريق مقفر للغاية و كأن ليس هناك من سار علية في أي من الاتجاهين منذ زمن.

عمرو .. راكب إحدى تلك السيارات، ينظر من السيارة سارحا في الصحراء القاحلة أمامه متذكرا كيف تحطمت أحلامه و أطماحة للنزوح للقاهرة و البحث عن فرصة لحياة مختلفة عن تلك التي عشها بعد أن أصابة الدور في الجيش لمدة سنة كعسكري، و الأدهى من ذلك أن يكون من نصيبه مركز تدريب بعيد للغاية في هذه الصحراء .. علم قبل أن يأتي أن مركز التدريب بعيد و عدد قليل للغاية من يلتحق به و هذا أيضا كان من حظة العثر الذي أضفى علية مزيدا من الكآبة و الحزن.

عمرو .. جسده ممشوق طويل، مفتول العضلات لم يمارس الرياضة بشكل نظامي في حياته قط ، و لكن أبوة كان دائما ما يجبرة على الأعمال المجهدة بدنيا و أيضا هذا بحكم البيئة الريفية المنعدمة الرفاهية التي ترعرع فيها، أسمر البشرة ذو عين واسعة و بالطبع حليق الرأس.

توقفت أول سيارة عند نقطة ما من الطريق غير محددة المعالم و لا توجد لأي لافتات ترشد لأي مكتن محدد، و بالتالي توقفت بقية السيارات من خلفها، ترجل من أول سيارة شخص ضخم البنية مرتديا عوينات للشمس نظر لبقية السيارات التي تخلف سياراته و أشار للركاب أن ينزلوا.

نزل عمرو من السيارة و صعد على عتبتها بخفة ليحضر حقيبته الصغيرة من على سقف السيارة ثم تجمع كل الشباب الصغير عند ذلك الرجل الضخم الذي أشار لهم منذ قليل، و بدأت السيارات التي فرغت من ركابها في الالتفاف و الانصراف عائدين.

ترصص الشباب في في صفين متوازيين تنفيذا لأمر صاحب البنية الضخمة ثم قال لهم و هو يشير بيده ناحية الجبل:

ـــ يا رجالة .. سوف نسير في هذا الاتجاه من خلفي .. 3 كيلو حتى نصل خلف هذا الجبل.

تعالي صوت همهمة بين الشباب على صعوبة أمر سير 3 كيلو على أقدامهم في الصحراء ، و كل سرح بخيالة عن مدى صعوبة الأيام القادمة في الجيش إذا كانت البداية سيرا 3 كيلو على أقدامهم .. بدأ الصول صاحب البنية الضخمة في السير .. التفت لهم قائلا:

ـــ يلا يا .. منك ليه، إتحركوا.

بدؤا السير جميعا في قلب الصحراء محافظين على قوام الصفين الذين صنعوهم في البداية، كان عمرو أتخذ مكانة في آخر الصف ناظرا للأرض و كأنه يحمل همة فوق راسه ملعنا اليوم الذي أتى به إلى هذا المكان ..قاطع أفكارة صوت من بجانبة في الصف الموازي قائلا:

ـــ مالك يا عم في أيه .. أيه اللي مضايقك؟

نظر له عمرو بجانب عينية و لم يرد، فتابع هذا المتحدث:

ـــ أحنا مش رايحين نموت .. هما 45 يوم نقضيهم، و بيقولوا بيعدوا بسرعة.

رد عمرو:

ـــ أنت جيشك 45 يوم بس؟

ـــ لأ .. بس هي سنة ..مدام كده كده هي السنة، فكك من أي حاجة عشان تعدي بسرعة.

أدار عمرو له رأسه لينظر له لأول مرة متنهدا:

ـــ عندك حق .. أسمك أيه؟

مد المتحدث يده ليسلم على عمرو قائلا:

ـــ محمد الطحلاوي و ممكن تقولي طحلاوي على طول لو مستصعب محمد.

دقق عمرو في وجه محمد الطحلاوي مستغربا روحة المرحة .. إ بتسم لمزحته و تبادلا المصافحة و أكملا سيرا في صمت.

بعد ساعة أو أكثر كانوا في أخر المسافة المفترض سيرها، أرهقوا جميعا و أصبح عمرو و الطحلاوي في المقدمة بعد أن كانوا في ذيل الصف، و صلوا لطرف الجبل و بدؤوا الالتفاف حوله حتى ظهر مركز التدريب خلف الجبل .. مبنى كبير في مواجهة الجبل و بوابة ضخمة مع سور عالي و خارج الأسوار 10 غرف مغلقة .

أذهل الشباب من منظر المعسكر في قلب الجبل و ضخامة المبنى الأوحد فيه .. توقفوا عند البوابة .. نظر عمرو أعلى البوابة وجد لافتة كبيرة مزخرف عليها بخط جميل (أعوذ بالله من كل غير إبن آدم) .. أنعقد حاجباه مستغربا هذه الجملة الغير مألوفة.

وقفوا الشباب صفا واحدا بعد ان دخلوا مركز التدريب، أتى لهم الضابط المسئول و وقف ينظر لهم متفحصا كل واحد منهم و هو يمر أمامهم، بعينية خلف عويناته الشمسية ثم توقف قائلا بصوت جهوري:

ـــ أنا أسمي الرائد عادل الدميري ، أتمنى تكونوا شخصيات محترمة .. الصول منصور هيسلمكوا المخلة بتاعت كل واحد، دي تحافظوا عليها أكتر من عينكوا، بعد كده هيجلكوا مجند ناجي الأزهري يسلمكوا حاجات تانية تحافظوا عليها برده .. أنا مكتبي هناك اللي عاوز أي حاجة يجيلي.

ثم أنصرف في خطوات واسعة سريعة .. تسلم المجندين مخاليهم ثم وقف الصول منصور ينادي:

ـــ ناجي يا أزهري.

أتى ناجي الأزهري مهرولا مرتديا مثل بقية المجندين و لكنه كان يزيد عليهم بعمامة .. نعم مجند مصري يضيف عمامة أزهرية كالتي يتميز بها الشيوخ للزي العسكري، أتى و هو يحمل حقيبة على ظهرة و توقف عند أولهم – عمرو – و أخرج شيئا من الحقيبة و أعطاها له أمسكها عمرو يقبلها بين أصابعة يتفحصها ليتعرف على ما سلم له، إنها سلسلة من المعدن و يتدلى منها قطعة معدنية محفور عليها إسم الله (القدير)، نظر للطحلاوي بجانبة فوجده يحمل سلسلة محفور عليها إسم الله (الجبار) .. أصبح يشوب الأمر بعض الريبة و شعاع من الخوف بدأ يتسلل إليه.

أنهى ناجي الأزهري تسليم هذه السلاسل و وقف بجانب الصول الذي قال:

ـــ دلوقتي كل واحد هيروح على عنبرة .. الصول معتمد هيسكنكوا، تغيروا لبسكوا و بعد كده تيجوا على الميز عشان تتسمموا الغدا.

قادهم الصول معتمد لتسكين المجندون الجدد في الدور الرابع من المبني الضخم الوحيد .. كان المبنى يتكون من خمسة طوابق، كل طابق مكون من عشرة عنابر، كل عنبر من إحدى عشر لثلاثة عشر مجند، كان قد سكن الثلاثة طوابق الأولى في الأيام السابقة و لم يتبقى سوى هذه الدفعة لتسكن الدور الرابع، إنما الدور الخامس فيبقى فارغا.

فرغ الجنود الجدد من وضع أحجيتهم كل على فراشه ثم حضروا أول ميز للغداء لهم.. بعد نهاية الميز وقفوا طابور هم و بقية الفصائل التي وصلت قبلهم ،كل فصيلة من 125 جندي.

حضر عادل الديميري واقفا أمامهم ينظر إليهم، واضعا كفية خلف ظهرة قائلا بصوت جهوري عالي:

ـــ كده مركز تدريب المماليك أكتمل إنهاردة .. 500 عسكري مصري .. جايين هنا عشان تبقوا رجالة .. أسمعوا يا رجالة، الجيش يعني أوامر .. أوامر تتنفذ مفهاش نقاش .. مفيش تفكير .. أول كلمة لازم تيجي في زهنك تمام يا فندم.

صمت برهة ليلتقط أنفاسة و أكمل:

ـــ دي تاني سنة للمركز ده .. قبل كده كان مقفول .. أشتغل سنتين أو ثلاثة في أخر التسعينات و بعد كده قفل و محدش يعرف قفل ليه لغاية السنة اللي فاتت لما رجعنا شغلناة تاني، قبل ما يشتغل في أخر التسعينات محدش كان يعرف أصلا المكان ده و لا أي سيرة تماما عن المبنى ده .. المبني قديم و مكانه مختفي لدرجة إن مفيش حد كان يعرف تاريخة أيه و لا مين اللي بناة .. لكن الخبراء بيقولوا أنه ممكن يكون يرجع تاريخة للماليك و عشان كده سميناة مركز تدريب المماليك و إن المبنى ده بينطبق عليها مواصفات مبنى قديم في تاريخ المماليك محدش كان لاقية لمارستان أسمه موج .. مارستان موج .. مارستان يعني مستشفى للميعرفش .. الخبراء بيقولوا أن مارستان موج ده كان مستشفي للمجانين في زمنهم أو أي حالة معرفولهاش تفسير و قتهم كان بيروح المكان ده و كان مقصود إن المكان ميكونش معروف مكانه .. القصة اللي بحكهلكوا دي ممكن جدا متكونش هي قصة المبنى اللي وراكوا ده لكن الخبراء بيرجوحها مش أكتر .

توقف عن التحرك ذهابا و إيابا و وقف ينظر للمجندين متابعا:

ــــ أنا بقولكوا القصة دي عشان تعرفوا حساسية المكان اللي أنتوا فيه .. هنا مفيش لعب عيال .. لو حد فيكوا مدلع و عايز يروح لأمة و حب يهرب هنسيبة للصحراء لأن محدش بيعرف الطريق غيرنا .. كلنا هنا ملتزمين بلأوامر و قواعد مركز التدريب و إرشادات ناجي الأزهري.

سكت دقيقة ينظر لهم و كأنه ينتظر رد ما منهم ثم قال:

ـــ يلا عشان نصلي المغرب جماعة.

تركهم الضابط عادل و سار في إتجاة المسجد تاركا خلفة أجولة من الخوف و علامات من الاستفهام التي تملأ أنفس مركز التدريب كلة، و بالذات عمرو الذي نظر للطحلاوي سائلا:

ـــ هو الراجل ده عايز أيه، يخوفنا و لا عايز يضمن إننا ننفذ الأوامر ؟

رد الطحلاوي:

ـــ هو مش محتاج يألف أي حاجة عشان ننفذ الأوامر .. إحنا في الجيش يعني في 100 حل يضمن بيه أننا ننفذ الأوامر.

ــــ انا مش مصدق القصة اللي حكاها دي.

ـــ أنا مصدقها لأن المبنى من جوة شكله غريب و مليان زخرفة في كل حتة.

عمرو معقود الحاجبين:

ــــ زخرفة أيه؟ مفيش زخرفة.

أشار الطحلاوي لحائط المبنى و هم يقتربون منه لصلاة المغرب جماعة كما أمروا، فإتسعت عينا عمرو فما رآه على الحائط كان أبلغ من أي كلمات قالها صديقة منذ قليل.



يتبع بالجزء الثاني
مع تحيات معتز حجازي

الأحد، 18 مارس 2018

ليت عمري





وقفت مشيرة المسنة تنظر من خلف زجاج نافذة غرفة صغيرة بسيطة الأثاث مكونة من أريكة بسيطة و مكتب صغير .. و قفت تنظر من خلال النافذة التي تطل على حديقة دار مسنين، تنظر لتلك المرأة المسنة التي تجلس على أريكة خشبية مستسلمة لمياة الأمطار المهطلة و تغرق كل شبر خارج الغرفة كان هناك أحد العاملات التي تحاول إقناع تلك المسنة بالقيام و الإبتعاد عن الأمطار و الولوج للداخل و لكن يبدو أن المرأة المسنة كانت مصرة على الجلوس في حديقة الدار غير مبالية بتقاطر المطر عليها.

تركتها تلك العاملة بعد أن غرقت بالمياة تماما و ذهبت لمشيرة التي كانت تتابع المشهد من داخل الغرفة .. دلفت لها و قالت:

ـــ عذرا سيدة مشيرة و لكنها مصرة على الجلوس هناك.

أشارت لها بيدها ببساطة ة قالت:

ـــ لا عليكي .. لقد قمت بواجبكِ .. دعيها سأخرج أنا لها.

ـــ في هذه الأجواء الصعبة؟

نظرت لها مشيرة نظرة طويلة وكأنها تسترجع مشاهد ما ثم ردت:

ــــ الأمطار ليست أجواء صعبة إنما هي تُرسَل لنا فقط لتلطف الأجواء الصعبة .. سأذهب الأن لها.

عدلت مشير هندامها و خرجت من الغرفة رافعة رأسها لأعلى تسقبل الأمطار بجبهتها ذاهبة لتلك المسنة التي تجلس على الأريكة في الحديقة .. سارت تتحسس خطاها وسط الطمي الذي أصبح طريا بعد أن أرتوي من مياة الأمطار و مع كل خطوة تسترجع حياتها الأليمة، مشاهد ألم في كل مرحلة من مراحل عمرها لا تنسى عنوستها الطويلة و بعد زمن ما تتزوج ذلك الرجل و تحبة و لكنها لا تقدر على إسعاده لما مر به في حياته من الآم هو الأخر و بعد أمد تعرف إنها فقدت القدرة على الحمل بسبب طول فترة عنوستها و لكن نور الحياة لا يخبو أبدا .. تأتي لتلك المرأة تعيد زيارتها من حين لحين حتى تتعرف على ما فاتها من حياة زوجها قبلها ..حاولت أن تقنعها كثيرا أن تأتي تعيش معها و لكن تلك المرأة دائما ترفض.

أسترجعت مشيرة كل ذلك سريعا حتى و صلت لتلك المرأة، جلست بجوارها على الأريكة بعد أن كستها أمطار .. رأسها و عينيها و ملابسها جميعا .. نظرت مشيرة للمرأة و قالت:

ـــ كيف حالك اليوم يا نشوى؟

نظرت لها نشوى دون أن ترد فقط إبتسمت.

أكملت مشيرة:

ـــ ما رأيك أن ندخل هناك حتي نتجنب هذا المطر.

ــــ أنت تعرفين إنني لن أقوم إلا بعد أن ينتهي المطر .. كنا دائما نفعل ذلك أنا و سمير.

شخصت مشيرة ببصرها للأرض و هي تحدث نفسها:

ـــ نعم أعرف

قاطعت نشوي صمت مشيرة و هي تسألها :

ـــ لماذا لم يأتي الأولاد معكي اليوم؟

بتردد و عدم ثقة ردت مشيرة:

ــــ الأولاد لديهم كثير من الأشغال يا نشوى أنت تعلمين و لكنهم يرسلون إليك السلام بالطبع.

ــــ إنهم دائما مشغولون .. و هل سمير مشغول هو الأخر؟

إتسعت عينا مشيرة للغاية حتى تساقطت قطرات مطر من رموشها داخل سواد عينها و هي تسأل في إندهاش:

ــــ سمير؟

ردت نشوي:

ــــ نعم سمير.. لماذا لم يأت معكي؟

ــــ سمير .. سمير .. سمير لقد توفاه الله يا نشوي من خمس سنين .. أنسيتِ؟

نظرت نشوى لمشيرة طويلا و كأنها تتذكر شيئا ما ثم هزت رأسها في إيجاب و قالت و كأنها تحدث نفسها بصوت خافت:

ــــ نعم نعم .. لقد توفاه الله.

أكملت نشوي بنفس الصوت الخافت:

ـــ أتعلمين لماذا تزوجك سمير يا مشيرة و تركني .. ليس لشئ مميز بكِ و إنما وجد كل شئ يكره في عكسه فيكِ ظنا من أن هذا هو الأجمل و إنما فقط يريد التغيير .. لست محجبة، تصغريني في السن عشر سنوات، تهتمين به للغاية و الذي غلف كل ذلك بغلاف جميل إنك لا تنجبين .. هل هناك أحلى من ذلك .. لماذا لا يتزوجك؟ .. أجيبيني

نظرت مشيرة كثيرا لنشوى حائرة لا تعلم فحوى ما تقوله تلك الأخيرة كرة أم قلة حيلة .. كانت تريد أن تصمت أمام كلامها الجارح لها و لكن كرامتها الأنثوية أبت أن تصمت فقالت بهدوء واثق شديد أقوي من المطر المنهمر:

ـــ نشوي أنت تعلمين جيدا إنك من أضعت حياتك بيدك و أنك من قدت نفسك لهذا المكان الذي تجلسين فيه الآن .. سمير لم يتزوجني فقط لرغبة في التغيير كما تأملين و لكنه عرف القبح و الخسة فيكِ .. فأجرعته أنا الحب و الجمال فلم يقدر على التخلي عني .. أنت تخليت ِعنه في أحلك الظروف و أكتفيت بأولادك أملاً بداخلك إنهم الملاذ و المستقبل و نسيتِ أنهم يتجرعون من خستك مع أبوهم و سيفعلوا معك المثل .. و هو كما تخليت عنه دائما تركك عندما فرجت الظروف الصعبة و حاول أن يصنع مستقبل أفضل معي.

صمتوا هما الأثنين كثيرا بعد هذا النزال الهادئ ثم قالت نشوى:

ـــ ماذا تريدين مني؟

ردت مشيرة و هي تقترب من نشوي:

ــــ أنت تعلمين بعد وفاة سمير إنني أحيا بمفردي لماذا لا تأتي تعيشين معي و تتركِ دار المسنين هذا .. لماذا تصرين على المكوث هنا، أنه مكان مقفر و مقبض للغاية .. أتعاقبين نفسك يا نشوى؟

تنهدت نشوي تنهيدة حارة و قالت:

ــــ يبدو ذلك .. أنني أعاقب نفسي أو مازلت أأمل في أولادي خيرا .. أو أو .. أحب زيارتك لي من وقت لأخر يا مشيرة .. تعلمين؟ أخاف أن أترك الدار و أذهب معكِ فتلقينني كما القاني سمير و أولادي هنا و القيت خارج كل شئ في الحياة .. إنما هنا، مازال شخص واحد يرغب في زيارتي .. أنت يا مشيرة.

أحتضنت مشيرة تلك الأخيرة بقوة و أحست تجاها بتعاطف قوي للغاية لم تتخيل أن تقابل شخصا يصل بتفكيرة لهذا المدي خاصة بعد هذا الإعتراف .. تريد أن تأخذ بأزرها و تخرجها مما فيه لكن ليس بيدها ما تفعلة.

أبعدتها عن حضنها و هم ينظرون لبعض غير قادرين على الكلام فكل منهم لا تعلم أتحبها أم تكرهها .. لا تعلم نشوى هل تعرض مشير عليها هذا العرض أن تذهب لتعيش معها كل زيارة لها لرغبة حقيقية منها أن تؤنس وحدتها أم لتذكرها من وقت لأخر إنها المرأة التي تركها زوجها من أجلها .. لا تعلم مشيرة هل تأتي لزيارة نشوي للإطمئنان عليها فعلا أم لكي ترضي ضميرها بأنها لم تختطف رجل من زوجته فعلا .. لا تعلم و لا تعلم.

قامت مشيرة من على الأريكة الخشبية ، ودعت نشوى و وعدتها إنها ستأتي لزيارتها مرة أخري و ستقنع أولادها أن يأتوا المرة القادمة .. خرجت من حديقة الدار ثم من بوابة الدار، سارت بعيدا عن الدار بثلاث شوارع ثم عبرت الشارع الأخير و أشارت لطفل في سيارة تقف في إنتظارها، وصلت للسيارة فتحت الباب الذي بجانب السائق ثم أغلقت الباب خلفها

ــــ إتأخرت؟

رد الرجل الذي يقود السيارة:

ــــ كيف حالها؟

ـــ كما هي يا سمير ما زالت فاقدة الأمل و لا تريد أن تترك الدار و مصدقة أنك مت منذ خمس سنين

سكت سمير برهة في حزن ثم قال:

ــــ حسنا فعلت .. أتعلمين لقد جعلت شريط حياتي كله ألآم و وحدة يا مشيرة.

في إندهاش سألته مشيرة:

ــــ لماذا تصر دائما على زيارتها بشكل دوري إذا؟!!!

نظر سمير لإبنه الذي يجلس في الخلف و قال:

حتي لا يشرب إبننا من نفس الكوب الذي شرب منه أولادي منها.





تمت



الثلاثاء، 16 يناير 2018

بعد الهبوط 1 ، 2




نحن ليس الآن.


لقد رجعت.


للبداية.


ليس أي بداية.


بداية البداية .. أول بداية.


قبل الفراعنة، و قبل أي حضارة معروفة .. بكور الأرض .. ليس للتراب معنى و إنما الغبار مهنى للمستنشقين .. المياة صافية شفافة كالجلد الابيض و الالوان ناطقة بالكلام بدرجات لم نراها و لم يروي أحد عنها من قبل و سطوع الشمس نعمة تنتظرها الأحياء.


بالمعنى الدارج .. واحة .. مليئة بالأشجار و بحيرة كبيرة من المياة العذبة النقية الجديدة لم يقص شريطها بعد.


تسحبت أنامل رفيعة تزيح بعض الأغصان من أمام فتحات أعينها اللامعة لتذهب بنظرها بعيداا عند البحيرة .. سمعت صوت غريب وسط أصوات الشجر و الحشرات و الزواحف و الحيوانات الصديقة، صوت ليس مألوفا لما ألفته .. فقامت تتفقده .. وجدته يقف هناك عند البحيرة .. أنه مثلها .. نفس التكوين .. ذرعان ورجلان و جذع و لكن بدون أولئك البروزان في تلك المنطقة بعد الرقبة الذي تملكه .. بل و نفس الملبس .. أنه يشبهها و لكنها لازالت لا تري وجهه فهو يشرب من المياة و يضعه على نفسه .. وقفت مكانها تراقبه، نزلت بركبتيها على الأرض .. جاء غزال جديد تنصع الوانه يقف عن يمينها فأشارت له أن يجلس فجلس في طاعة و جاء عن يسارها قرد يتقافز و يصدر أصوات مزعجة أشارت بأصبعها أن يسكت فسكت و سكن الثلاثة ينظرون للغريب الذي مازال يضع المياة على أعضاءه .. حتي إستدار و وقف ينظر يمينا و شمالا و هو ممسك عصاة القوية الطويلة.


تفرست ملامحة بقوة لتقارن بمن تعرفه و تتمناه و لكن هناك إختلافات في كل شئ، شعره الذي فوق رأسه لم يكن على هذه الهيئة و تلك الِاشياء السوداء المتلصقه بذقنه و وجنتيه و تحت أنفه لم تكن موجوده أيضا .. و لكنها لا تحتاج لدلائل تراها بعينيها، فهي تشعر به و كانت تعلم أن العثور قد إقترب و تنتظره منذ أكثر من ربعمائة شمس .. فإن لم تعرفه عيناها فبصيرتها كافية .. لتذهب إليه و تقترب منه و تنظر في فتحات وجه .. قامت من مكانها أعدلت هندامها البسيط التي ترتديه الذي لا تملك و لا تعرف غيره، خلخلت شعرها بأصابعها تصففه سريعا لملمت شعرها الطويل في قبضتها ثم وضعته على كتفها لتبرز جمال شكلها .. أزاحت أوراق الشجر و خرجت ليراها جيدا من مكانه، و من أنعم الحبال الصوتية التي وجدت قالت:


ـــ آدم؟؟!!!


في مشهد مكرر لنا جميعا و لكن هم أول من صنعوه .. أقتربا من بعضهما في بطئ غير مصدقين فهي لا تصدق إنها تراه و لا آدم يصدق أنه وجدها ، تقدما الخطى حتى وقفا أمام بعض ينظران لبعض .. لقد أيقنت أنه آدم و لكن هناك بعض التغيرات في وجهه التي لا تفهمها و لكنها ستسأله عنها فيما بعد إنما الآن فهي لا تريد شيئا غير إنها تنظر إليه فقط .. تتفحصة و تتمحصه فوجهه أكله لا تشبع و لا تمل منها .. قال آدم و ذرات الحب تتساقط من جانبي فمه:


ـــ حياة؟؟؟!!!


أمسكا يد بعضهما في قوة و كأن هناك ما يمكن أن يأخذهما من بعضهما مرة أخري فتتشبثا ببعضهم لمنع ذلك، أزاح آدم خصلة شعر تنسدل على جبهة حياة يضعها خلف أذنها ثم أمسك أذنهاالصغيرة يلوكها بين أصابعه يتأكد من إنها حقيقية و ليست أوهام أو أحلام كالتي كان يراها و هو نائم و بدون إتفاق مسبق جريا سويا ممسكين بيد بعضهما حتى إقتربا من شاطئ البحيرة الهادئ ثم جلسا على ركبهم و رفعوا يدهم للسماء شاكرين الله أنه الهمهم الطريق و الكيفية أن يجدا بعضهم و لا يفترقا أكثر من ذلك.


" ياواجد النور و ما بعد النور أحمدك على كل شئ و أستعين بك على أي شئ أحمدك إنك اخرجتنا من جمالك لجمال آخر لم نكونه من قبل، يا رب كل رب و أول كل أول إنك تعلم إنني لم أكن أفتش في الأشياء إلا للقائها و لم أنتظر ذهاب النور حتى أكرر البحث ثانية بعد مجيئة، بعظمة حضوري أمامك لا تحرمني منها و لا تجعل فتحات وجهي تبعد عنها كما يغيب النور عنا"


ذلك كان آدم .. أما حياة فكانت تدعي " لم تتركني وحيدة أبدا و مع كل صعود نور ترسل لي من يحمل عني حزني لفقده، تصبرني بالجمال الجديد و ما يملأه من جمالات أخرى .. يا مالك ملك ملكي أنزل على القدرة لأكون مثل عصا الشجرة التي يمسكه آدم في طرفه، أيقن إنك ستجيبني لتجعلنا بناء لا يخل و لا يلهو"


أنهيا دعائهما ثم نظرا لبعضهما محدقين .. تصاعدت مشاعر غير مسبوقة في صدر حياة فهي لم يسبق لها أن تفقده و من ثم تجده ثانية، زاد خفقان قلبها سريعا و هي تنظر له ثم ..


ـــ ما بك حياة .. ما هذا؟


رفع إصبعه و وضعه على على و جنة حياة و مسح أول دمعة نسائية في حياة البشر ثم نظر لإصبعه المبلل من دموع حياة و قال :


ــ ما هذا، حياة .. أتبرزين زادا؟


هزت حياة رأسها علامة الجهل .. و وضع إصبعه في فيه يتذوق دموع حياة ثم هز رأسه يمينا و يسارا ثم قال:


ـــ إنها لا شئ .. و لكن يبدو أن هذه الأشياء تبرز من فتحات و جهك عند فرحك.


رفعت أناملها الرقيقة و أمسكت شعيرات شاربه ثم سألته:


ـــ ماهذا .. أدم ؟


رد آدم:


ـــ لم أحط به خبرا ،حياة .. و لكن هي جمال من جمالات الله التي جلبت لي منذ أن توجدنا هنا.


ـثم بحركة لا إرادية أنثوية نابته من غريزة حب البقاء أمسكت حياة كتفي آدم خوفا و رعشا و هي تقترب منه للغاية حتي جلست على فخذية لملأ نفسها بالرعب .. سمعا صوتا عاليا، زأيرا قويا للغاية جاء مباغتا من خلفهما مباشرة .. إستدار آدم خلفه يتفقد الصوت و يحتضن حياة ليحميها فو جدا أمامهما .. ليث يريد أن يفرقهما ثانية بعد أن أجتمعا.






(بعد الهبوط) حلقات منفصلة متصلة، نعيش فيها مع آدم و حياة أول حياتنا، أنتظرو ا البقية لنعلم ماذا سيفعل أدم و حياة مع الليث الذي يفسد واقعهم الجميل.


وقف آدم أمام الليث الضخم الكبير و حياة تقف خلفة متشبثة به بقوة و الخوف مغلغلها، أمسك آدم عصاته بقوة ليدافع عن حياته و حياة .. إقترب منه الأسد في خطوات بطيئة يخرج من أنيابة زئيرا مكتوما .. بادلة آدم خطوات بطيئة للخلف ثم أبعد حياة عن جسده ة هو يشير لها أن تذهب بعيدا للإختباء قائلا:


ـــ لليمين هناك.


تركت حياة جسد آدم و ركضت بعيدا للإختباء خلف صخرة كبيرة، حاول الأسد أن يجري خلفها و لكن آدم أعترض طريقة و هو يلوح بالعصا في وجهه ليمنعه .. يحاول الليث الإنقضاض على آدم و لكن آدم كان يناوره بمهارة يبدو أن أن تلك الفترة التي قضاها منفردا بدون حياة كانت قاسية و تعلم منها الكثير .. أخذ يناوره يمينا و يسارا يرسل له ضربة بالعصا من هنا تارة و من هناك تارة أخرى، جلست حياة خلف الصخرة تراقب مايحدث في خوف شديد و لكنها أيضا كانت تراقب نفسها .. حركة صدرها في العلو و الهبوط أزادت سرعه و تعالت صدمات غريبة من داخل صدرها بقوة .. بدأ تظهر لها خيالات و صور أن ذلك الأسد سينهى وجود آدم أنيسها و خليلها و الزوج الذي عاشت فترة كبيرة من الزمن تنتظره .. و توالت أسئلة كثيرة و هي تتابع المعركة، هل سينتهي كل شئ بتلك البساطة .. نقضي بعض الوقت الجميل سويا في جنة الله المثلى ثم أحبه و لا أجد معنى للوجود بدونه وبعد ذلك ننزل الجنة الدنيا و نضيع من بعضنا وقت طويل ثم عندما ألاقيه يجهز عليه ذلك الآكل .. تعالى صوت البقاء على صوت الخوف بداخلها .. قامت من خلف الصخرة و هي تتابع آدم بعينها و بأول توقع أنثوي في التاريخ رأت أن دفة الهزيمة تميل لآدم و أنه سيؤكل حتما .. نظرت يمينا للأشجار و يسارا للبحيرة و على الأرض من تحتها و لكن التوتر مازال يمسك مقود تفكيرها .. أغمضت جفونها بقوة فطردت دموع وليدة، ثم أمسكت شعرها الطويل و أخذت تبرمه حتى صنعت من كعكه فوق رأسها لكي لا تشتت إنتباهها ثم فتحت عينها و ركضت نحو الأشجار لتجلب شيئا ما.


أنهك آدم للغاية من ذلك الليث الضخم، فقد قاتل حيوانات آكلة من قبل و لكن ليس ذلك النوع و لا ذلك الحجم.. أجهز الأسد عليه و بضربة قوية من مخالبه أوقع العصا من يد آدم بعيدا .. أصبح آدم مستلقيا أرضا و الجروح الصغيرة تملأ ذراعية و الأسد يزأر عاليا رافعا رأسه لأعلى و يرفع كلتا يديه لأعلى مستعدا لينقض الإنقضاضة الأخيرة.


بخفة غير محسوبة ركضت حياة بقوة ناحية الأسد و هي تمسك تلك الحبال التي أحضرتها من أشجار الواحة .. مسحت دموع عينيها الغزيرة لتوضح لنفسها الرؤيا و هي تركض، ثم قفزت عاليا تعتلي ظهر الأسد و كأنها فارس يعتلي حصانه و ترمي الحبل بقوة ليلتف حول رقبتة الأسد .. إنزعج الأسد كثيرا من فعلها و تألم فأخذ يزأر متألما ثم أوقع نفسه أرضا و حياة مازالت تركب علية و هو يحرك يديه و أرجله بحركات عشوائية عصبية فصاحت حياة :


ـــ آآآآآدم


قام آدم من رقدته مستغلا رقدة الأسد أرضا و حياة من تحتة، بحث على عصاه بعينه و جدها كسرت نصفين عندما ضربها الأسد بمخلبه .. طرأت لآدم فكرة جديدة من نوعها فأمسك نصف العصا المكسور المسنن و بحركة ماهرة رماة فدخل في صدر الليث و هو يحاول الإفلات من حياة.


همدت حركة الأسد رويدا حتى آخر نفس له ثم سكن تماما .. إقترب آدم من حياة و أجتهدا سويا ليخرجا نصف حياة السفلي من تحت جسد الأسد حتى نجحا و إحتضن حياة بقوة و هي تبكي بغزارة ثم أبعد وجهها عن صدرة و نظر لعينيها التي تملئهم الدموع و يكسوهم اللون الأحمر ثم قال لها و هو مازال يلتقط أنفاسه بقوة:


ــــ ما هذا يا حياة .. هل هذه المياة تخرج من فتحات و جهك في جميع الأشياء؟


ردت عليه حياة و هي تمسح دموعها بكقها:


ــــ لا علم لي و أنت الأول و لا تعلم .. و لكنني أريدها مثلما أريدك.


ــــ أتحبينها؟


ــــ إذا أردت شيئا بشدة فإني أريده مثلما أريدك.


إبتسم آدم إبتسامة عريضه ثم أدخل وجهها في صدرة بحنو ثم أمسك كفها و قاما يسيران نحو البحيرة المتلألأة .. أدخلا قدميهم في أطراف المياة المتحركة.


جلسا آدم و حياة على أطراف البحيرة و هما يحتضنا بعضهما بعد أن قاطع ذلك الأسد لحظة تقابلهم بعد غياب .. تنادي عليهم الطبيعة الوليدة من كل درب حولهم سواء الألوان أو الهواء السماء أو مياة البحيرة و الشجر و الحيوانات التي تتقافز في كل مكان بعد أن أمنت الأسد .. كل ذلك يتناغم و يتشابك في صمت جميل ليوقعهم في شباك الإسترخاء المخملى و هم يضعوا راسهم على بعض جالسين أمام البحيرة .. ثم فجأة .. خرج من مياة البحيرة جسم صغير يتقافز قفزات صغيرة عن أقدامهم .. وقفوا مسرعين ننظرون لذلك الجسم الجديد تحت أقدامهم حتى توقف عن الحركة تماما، جلس آدم القرفصاء ببطء يتفحص هذا الشئ، أمسكه بيده و نظر لحياة قائلا:


ـــ أنه يرسل إلينا الطعام يا حياة.


نظرت حياة للسمكة في يده ثم قالت بإشمئزاز:


ــــ لا يا آدم أنه ليس طعام .. دعنا نأكل من هناك.


و أشارت لشجر الواحة القريب من البحيرة.


وضع آدم يده على بطن حياة و سألها:


ــــ هل تشعرين بالام هنا حياة.


ـــ لا


آدم: حسنا دعيني أأكل تلك ثم وقت آخر نأكل من هناك.


إنقض آدم على على السمكة يأكلها و يلتهمها .. وقفت حياة تنظر إليه متعجبة و الإشمئزاز يتصاعد على سلم نظراتها، ثم قاطعت إندماجة قائلة:


ـــ ألم تضع المياة عليك يا آدم منذ أن هبطنا؟


رفع آدم عينيه إليها و هو يأكل و قال:


ــــ لا .. و لماذا أفعل.


إقتربت منه ببطء و هي تحرك أنفها بحركة معروفة ثم قفزت إمارات القئ على وجهها فرجعت للخلف مصدومة من ما التقططه شباك أنفها من بحور رائحة العرق المتراكم .. ثم ألانت ملامحها بصعوبة و هي تنظر إليه منهمكا في أكل السمكة ثم قالت في هدوء:


ـــ يبدو إنك قد عشت أياما صعاب حتي إلتقيتني؟


خرج آدم من نهم الأكل الذي إستحوذ عليه و قال و هو يتذكر حياته بعد أن هبط :


ــــ لم أسكن قط و قابلت أشياء لا طاقة لي بها.


أمسكت راسه بكفيها الناعمة وتقرب أنفها من أنفه و هي تشير لبحيرة ماء الواحة من خلفهم:


ـــ أتعرف يا آدم إذا نزلنا لهذا الماء ستشعر و تعرف أشياء جديدة سليم معافى من أي شئ.


نظر آدم للماء ثم نظر لحياة و قال:


ـــ و هل نزلت من قبل؟


أمتلأ و جهها حماس و سألته:


ـــ بالطبع، ألم تفعل في و حدتك؟


رد آدم بصوت خافت:


ــــ لا


أمسكت حياة كف آدم في نعومة ثم قبضت عليه و سارت خطوة للأمام و هي تنظر له تشجعه ليخطو معها وضعا قدمهما في أطراف المياة الدافئة و تخطو و يخطو معها حتى أصبح نصفهم السفلي في المياة، و ضعت يدها على كتف آدم و جلسا القرفصاء في المياة حتى رقبتهم، ينظران لبعضعهم يتمتعا بجمال جنة الأرض، يستمتعا بوحدتهم ..هذه الوحدة التي حفرت في أحماضانا النووية حب إمتلاك الآخر و التي زرعت في جذور البشر حب الخلوة بين المحبين.


أنتهى الجزء الأول و الثاني
مع تحيات معتز حجازي








الجمعة، 3 نوفمبر 2017

01 .. (2)



أغلق المتصل الغريب الخط في و جهه نسيم و تركه في و سط حيرة ينظر للموبايل كأنه يستنجد به و وإمارات الاستنكار تكسو ملامحه ، تشققت أحباله الصوتية من جفافها فلم يقوى على قول شئ حتى لو لنفسه ثم قاطع أفكاره صوت صاحب الموبايل الذي يمد يده ليأخذ الموبايل:

ـــ خلصت يا باشا؟

نظر نسيم إليه و الذعر يملأ وجهه غير قادر على الكلام، كل خلية من خلاياة شلت غير قادره على الحركة، رفع يده الأخري التي تمسك بموبايله الخاص، وجد أنه لا يلقط شبكة بالفعل .. نظر في عيني صاحب الموبايل الذي يقول له:

ـــ في حاجة يا باشا .. ممكن الموبايل بتاعي؟

رد عليه نيسم بصوت محشرج رافضا الخروج من فمه قائلا و الموبايل مازال في يده:

ـــ أنا آسف.

قالها نسيم و هو أسف بالفعل، ثم في سرعة ركض هاربا أخذا معه الموبايل الأخر الذي كان يصور به هذا الشاب و أصدقائة و بالطبع سمع من خلفه سباب من صاحب الموبايل بأبيه و أمه ثم سمعه هو أصحابه يتفقان أن يلحقانه من إتجهات مختلفة .. ركض نسيم بسرعة كبيره و هناك أثنان يركضان خلفة و بالفعل كادا أن يمسكانه و لكنه ناور بين الناس بخفة فلم يمسكانه، لمح نسيم بعينيه المصعد و بابه مفتوح ركض نحوة و دخل قبل أن يغلق الباب مباشرة و قبل وصول أصحاب الموبايل إليه ثم صعد المصعد لأعلى، خرج من المصعد متوترا للغاية ينظر حولة في عصبية حاده، أخرج موبايله من جيبه و حاول الإتصال بزوجته و بنته و لكن مازالت شبكته معطله .. نظر للموبايل الذي سرقه و موبايله، الأثنان نفس الماركه (أيفون) .. دخل متجر ملابس مشهور إلتقط قيمصا أصفر فاقع اللون و دخل غرفة تغيير الملابس أغلق الباب .. وقف يلتقط أنفاسه.

ما الذي يحدث بالضبط؟

ما الخطأ الذي أرتكبته؟

من من الممكن أن بفعل بي هذا؟

نظر للهاتفان في يده .. يبدو أنها جهة قوية في البلد .. كيف يعطلان شبكة موبايلي و يعرفون إنني أقف بالقرب من صاحب الموبايل الذي إلتقط له صورة؟ .. كيف؟

هل هناك من يراقبه في المول و ينقل تحركاته لشخص أخر؟

هل هم جهة إجرامية دولية أم ماذا؟

خلع قميصة ثم أرتدي القيمص الجديد الأخر .. رن الموبايل المسروق في يده برقم حفظه جيدا 015..........

رد على المتصل :

ـــ أيوة.

ـــ يعني لو كنت سمعت كلامي من الأول من غير عنتزة فارغه و تعملي نفسك مش همك مش كان يبقى أحسن من الشقلبزات اللي بتعملها دي و انت راجل اعمال و ليك مركزك.

ــ مراتي و بنتي فين .. و أنت مين؟

ـــ سيبك من الأسئله اللي مش هتنفعك و لا هتنفع غيرك دي .. فكرت في اللي قولتهولك؟

ـــ عايز مني أيه؟

ــــ هتبعت ميل لإدارة المنحة اليابنية تبلغهم إنك مش هتقدر تكمل تشطيب العشر مدارس اللي اتفقت إنك هتشطبهم و السبب هسيبك إنك اللي تألفه مش هنفرض أسباب عليك و تعمل ترشيح للهيئة العربيه المصرية الدولية للمقاولات إنها تكمل تشطيبات و تبعت إنهارده كل الورق و المقاسات و الخامات و أنواع المعدات و كل حاجة على عنوان الهيئة .. إنهارده.

ـــ الهيئة العربية المصرية اللي تبع ..

قاطعة المتصل بحده:

ـــ مش هتفرق تبع مين المهم إنك تنفذ.

ــــ طب و مراتي و بنت ..

أغلق المتصل الغريب الخط و ترك نسيم يقاوم غرق الحيرة على أن أمل ان يرفع رأسه خارج أمواج الخوف و يسحب نفسا قويا عميقا يرجع إليه قوة البأس و ركازة التفكير، خرج من غرفة تغيير الملابس و دفع ثمن القميص الجديد و خرج ينظر يمينا و يسارا و قرر ما هي الخطوة القادمة و لكن بمجرد أن تحرك وجد صاحب الموبايل أمامه و لكن يسير أمامه –الشاب من الخلف- فألتفت في الإتجاه المعاكس و أسرع الخطى، يندس في الزحام على قدر المستطاع.

أستغرق ساعة تقريبا يبحث عن زوجته و أبنته الحبيبة في الأماكن المعتاده لهم و لكن لم يجد شيئا، يفقد أمل أن يجدهم في كل متجر يدخله و لم يجدهم فيه و تسيطر عليه فكرة أنهم أختطفا فعلا .. جهة تغلق شبكة موبايلي الخاص و تسرق أشيائي من أمام الناس ثم تتصل بي على موبايل شخص لا أعرفة و لكنني أقف بجانيه فقط .. كل هذه الأسباب جعلته يقتنع ،هما أختطفا .. أخرج الموبايل المسروق من جيبه و حاول الإتصال بزوجته و لكن كان مشغولا و موبايل أبنته المثل أيضا وجد نفسه يقف أمام الحمام، دخل الحمام و في أول غرفة من غرف التواليت، دخل، أغلق الباب من خلفة و أغلق القاعده و جلس عليها.

فتح قائمة الأسماء المسجلة عى الموبايل المسروق .. على أن يتصل بأي من الأسماء المسجلة .. و لكن قائمة الأسماء كانت فارغة.

أغلق عيينه في قوة ثم فتحهم و أعتصر الموبايل في يده ، أمسك الموبايل المسروق بقوة .. فتح الفيسبوك، خرج من حساب صاحب الموبايل ثم دخل على حسابه الخاص، ثم أرسل رسالة لمديرة مكتبة ينادي عليها .. سامحة.

و جلس ينتظر رد منها .. دقيقة .. دقيقتين.

ـــ مستر نسيم حضرتك فين بحاول أكلملك موبايلك مقفول.

ظهرت الرساله على مسانجر الفيسبوك.

ـــ سامحة أزيك عاملة أيه .. بصي هقولك شوية حاجات تعمليها دلوقتي حالا.. تسيبي كل اللي في إيدك و تعمليه حالا .. تمام.

ــ خير يا فندم أتفضل

ـــ هتجمعي كل الورق المتعلق بمدارس المنحة اليابانية .. كل الورق المتعلق بكل حاجة .. و تخدي الفايل ده بنفسك و تروحي توصليه للهيئة العربية المصرية الدولية للمقاولات .. يدا بيد.

ـــ نعم؟!!!!

ــــ أسمعي الكلام اللي بقولك عليه من غير أسئلة .. و بعد كده تحجزيلي أنا و مراتي و بنتي 3 تذاكر لأمريكا في خلال أسبوع.

ـــ طيب حاضر حاضر .. طيب و إدارة المنحة اليابانية عندها علم بالموضوع ده؟

ـــ أنا هبعتلهم ميل دلوقتي.

ــــ طب و لما أعوز أكلمك يا مستر نسيم أعمل أيه؟ .. موبايلك مقفول.

فكر نسيم قليلا ثم طرأت على رأسه فكرة فأرسل لها على الماسنجر:

ـــ أبعتيلي رقمك و أنا هبعتلك على الواتس آب و لما الرقم اللي ببعتلك منه يظهرلك ،ابعتهولي.

ـــ؟؟؟!!!!!!

ــــ إسمعي اللي بقولك عليه من غير إستغراب.

ــ طيب حاضر,

أرسلت له رقمها، نسخة ثم أغلق ماسنجر الفيسبوك وفتح الواتس أب و أرسل لها بعض الحروف و أنتظر .. و لكن الحروف التي أرسلها لم تصل لرقم سامحة .. لقد أغلقوا عليه الواتس أب للموبايل المسروق .. حاول أن يتصل بنفس الرقم الذي أستقبل منه مكالمة الشخص الغريب و لكنه كان مشغولا أيضا .. أحبطت للغاية، فكل مدى يتأكد أنه يتعامل مع جهة أكبر من إمكانيات خياله أن يتخيل، قرر أنه لا بد أن يرضخ لأوامره .. أن يرسل الميل لإدالرة المنحة اليابانبة بلإعتذار و ترشيح تلك الهيئة العربية.

ولكن هذا الميل يحتاج استفاضة و كلام و شرح.

مع وصف مفصل للشركة الأخري و إنجازاتها، التي ستتولى مهام التشطيب بعد اعتذارة.

سأحتاج لاب توب حتما لأكتب كل هذا الكلام.

الموبايل سيكون عائق و يجعلة يستغرق وقت أكبر.

هل يشتري لاب توب جديد بدل من ما سرق منه في الكافيه؟؟

لا لن تصلح هذه الفكرة .. ساحتاج أن أستب و يندوز و تعريفات .. لا لا .. فكرة فاشلة.

أغمض عينيه بقوة مقاوما أخر حل لاح أمامه فلم يجد غيره.

فخرج من الحمام مسرعا .. فتح الباب .. وجد أمامه واحد من أصدقاء صاحب الموبايل المسروق .. نظروا لبعض مصدومين ثم ركض نسيم بسرعة قويه و الشخص الأخر يطارده بسرعة أيضا .. نتج عن هذه المطارده ارتطام عنيف بالناس و شارك فيها بعض من رجال أمن المول .. أنتشرت الفوضى مكان ما يخطو .. بدأ ينال التعب من نسيم و هو مازال يركض .. و على مسافة قريبة منه وجد شاب و فتاه يلتقطان صورة سيلفي، الشاب يحمل حقيبة من حقائب الاب توب ثم قال الشاب للفتاه شيئا ما فوقفت بعيده عن الشاب ممسكة الموبايل لتلتقط له صور منفردا ثم نزع الشاب الحقيبة من على كتفه ليعطيها للفتاه ليأخذ صوره بدونها ، و كانت تلك اللحظة المنتظرة لنسيم فأسرع الركض أضعاف عن ذي قبل و كأن هذا الشاب يمد يده بالاب توب له و ليس للفتاه .. و بالفعل أمسك الحقيبة و نزعها بسرعة مباغتة من يد الشاب و أكمل ركضا مبالغا فيه ليبحث عن مكان يختبئ فيه ليرسل ذلك الميل و ينقذ زوجته و أبنته.

وصل لجراج السيارات و هو ينظر حوله يمينا و يسارا حتى و جد مكان بعيد عن العيون ، جلس أرضا، أخرج الاب توب ، أستجمع تركيزه بنفس طويل ثم شرع في الكتابة .. أستغرق في الكتابة طويلا قرابة الساعة، أعتبر أنها أهم رسالة عمل يكتبها في حياته كلها .. نسقها و نمقها و راجعه جيدا و كتب كل المعلومات المطلوبة لإعتذار لجهة معتبرة كإدارة المنحة اليابانبة ثم ضغط .. إرسال.

أغلق الاب توب و وضعه في الحقيبة .. جلس مكانه القرفصاء واضعا رأسه بين ركبتيه يفكر في ما حدث و مازال يحدث .. كل ما كان يريده أن يعمل و يستثمر في هذه البلد و لكن على ما يبدو أنه أخطأ التقدير .. هناك جهه لا تريده ان يعمل، غير راضية عن وجوده، و لكن لما؟

قام من مكانه ليدخل المول مجددا أقترب من بوابة كشف المعادن ثم أتجه لرجل الأمن و قال له:

ـــ أنا لقيت الشنطة دى في الجراج بعد ما ركنت.

رد عليه رجل الامن و هو يلتقط الحقيبة:

ــ شكرا يا فندم، هنوصلها للأمانات.

صعدلأول دور من المول، رن التليفون المسروق في جيبه من نفس الرقم 015....... ، أخرج الموبايل و هو يحاول أن ينزوي عن الأعين:

ـــ ألو .. أنا عملت كل اللي أنت عايزه بعت الإيميل و مديرة مكتبي في خلال ساعة هتكون عندكوا .

ـــ كان من الأول يا مستر نسيم، كنت وفرت على نفسك وقت و مجهود و بهدلة للأخرين.

ـــ أنت مين؟

ـــ أنا واحد من ضمن ناس كتير عايزة مصلحة البلد و مصلحة أمنها.

تحسر في قرارة نفسه ثم سأله:

ـــ أيه علاقة شغلى مع المنحة بأمن البلد؟؟

ـــ المنحة دي ممكن بدل ما نبني بيها مدارس ممكن نبني بيها حاجات أهم يا مستر نسيم.

صعق نسيم من الكلام و الذي يحمل معان كثيرة، و لكنه أفرغ رأسه من هذه الأفكار و سأله:

ـــ مراتي و بنتي فين.

ـــ إطلع برة المول من بوابة 2 هتلاقيهم مستنينك.

أغلق نسيم الخط في وجهه محدثة من باب الإنتقام الفارغ الذي لا معنى له ثم خرج من المول يبحث عن زوجته و أبنته .. أخرج الموبايل المسروق و موبايله .. وجد أن موبايله التقط شبكة من جديد، إتصل بزوجته، سمع رنه ثم الأخرى ثم سمع صوت زوجته تجيب :

ـــ أيه يا نسيم ايه اللي بتعمله ده؟

أجابها في خوف :

ـــ فايزة أنت كويسة أنت و أمينة؟

ـــ أه كويسين هنكون مالنا .. مالك؟

ـــ أنا بحبكوا أوي يا فايزة

ـــ متوهش يا نسيم أنا مش هعديلك إنك كلمتني عشان أخدلك الاب توب بتاعك من الكافيه عشان نسيت تاخده المكتب و أنت ماشي من المول و أودهولك المكتب و قبل ما أطلع المكتب تكلمني تقولي تعالي المول تاني أنا رجعت خلاص .. أيه يا نسيم ده .. مش عايزنا نشتري حاجة أنا و بنتك قول على طول و بطل الحركات دي.

عقد نسيم حاجبيه و رد قائلا:

ــ طيب تعالي أنا مستنيكي برة عند بوابة 2.

أغلق الخط مع زوجته .. ثم نظر للموبايل المسروق في كف يده و خطر بباله فكرة .. إتصل بنفسه على موبايله الخاص من الموبايل الذي سرقه.

أتسعت عيناه للغاية في إندهاش ممزوج بخوف و هو ينظر للرقم الذي ظهر على موبايله أنه ..

نفس الرقم منذ البداية 015........


تمت.

01..




وصلوا هم الثلاثة للمول .. (نسيم) و زوجته و إبنتهم الوحيدة الصغيرة الجميلة، ذات الاحدى عشر عام من العمر، نسيم رجل تعدى الاربعين من العمر بقليل، ٍنسيم رجل أعمال مصري رياضي الجسد خفيف الحركة يهتم بمظهره جيدا، يرتده قميص أبيض و سروال من الجينس و حذاء أسود، أحرز نجاحات كثيرة في عمله بالخارج و لكنه رجع منذ خمس سنين ليبدأ مشروعاته المقاولاتية في مصر، لإزدهار هذا السوق فيها ثم رويدا رويدا و خلال فترة قصيرة ، أحرز نجاحات عدة و بالمشاركة مع شركة أجنبية رفيعة المستىوي، أنهى أول كمبوند في مدينة السادس من أكتوبر بمقاييس مختلفة عن كل هو مقدم في السوق المصري و وضع حذاءه على أول درجه من درجات الثراء.

القى نسيم التحية على زوجته و بنته ليتركوه و يذهبوا لشوبنج نسائي لعين – من وجهة نظرة - و هو جلس في كافيه من الكافيهات المفضلة لديه و أخرج الاب توب الخاص به و الموبايل، ثم أوصل الاب توب هوت سبوت من الموبايل ليدخل على شبكة الإنترنت و يباشر بعض الاعمال عن طريق الايميل و خلافة .. أندمج في مراجعة أعماله و قراءة بعض من الأخبار ثم جاءة إتصال تليفوني .. رقم غير مسجل لديه 015....... من شبكة الإتصالات الجديدة .. أجاب:

ــ ألو

أستقبلت أذنه صوت رخيم هادئ:

ـــ مستر نسيم إزي حضرتك؟

ــ انا كويس .. مين معايا؟

ــ من غير مقدمات طويلة أنا بكلمك بخصوص عقود التشطيبات بتاعة المنحة اليابانية بتاعة المدارس.

ــــ أيوة مين معايا برده؟

ـــــ أنا عارف إن ليك شريك أجنبي مخلي موقفك قوي في المناقصات الخاصة بالحاجات اللي زي دي.

ـــ ممكن أعرف مين بيتكلم، لأني مش هتكلم في أي حاجة من غير ما أعرف مين معايا.

ـــ مستر نسيم إسمي مش هيفرق في أي حاجة معاك .. أحنا لينا طلبات مش هتقدر ترفضها.

قام نسيم من مكانه تاركاالاب توب و المنضده التي كان يجلس عليها و علامات إنزعاج حاده على وجهه قائلا:

ــــ أحنا ؟!!!! .. أنتو مين و طلبات أيه .. أنا أصلا مش هكمل كلام معاك.

ثم نزع الهاتف المحمول من على أذنه و أغلق الخط بدون سابق إنذار مع محدثه، وقف ينظر يمينا و يسارا و كأنه يبحث عن شخص ما .. تاهت الأفكار في تلافيف مخه فاقدا القدرة على التركيز و في غمرة تفكيرة رن الهاتف في يده بنفس الرقم فأجاب دون أن ينطق إلى أن سمع:

ـــ متقفلش الخط تاني يا مستر نسيم، المكالمة اللي دايرة ما بينا دلوقتي ممكن تكون أهم حاجة في حياتك و حياة عيلتك.

عقد نسيم حاجبيه قائلا:

ــــ قصدك أيه؟

ــــ أنا عامة أعرف عنك كتير و من اللي وصتلو، إنك شخص عنيد جدا عشان كده هسألك سؤال صغير .. الاب توب بتاعك فين؟

إلتفت نسيم بحركة حادة مكان ما كان يجلس في الكافية و لكنه لم يجد شيئا مما تركه على المنضدة قبل أن يقوم، من مكانه ثم أكمل المتصل:

ـــ أنا ممكن أخد منك أي حاجة .. هتسمع بقية كلامي و لا تحب تجرب حاجة تانية؟

سكت نسيم و لم يقوى على الرد و لكنه بلع ريقة فقط فأكمل المتكلم:

ـــ أنا عارف إن شركتك داخلة برأس مال كبير في في منحة المدارس اليابانية و كل المطلوب منك إنك تتعذر عن أستكمال المشروع نظرا لأي حاجة.

سمع نسيم الكلام و لكنه رفض ما يحدث و ما يقال و انه بالقطع لن يفعل ما يقوله هذا المتصل، هل ما يحدث هذا جد أم هزل من أحد يعرفه مثلا ،و هل يقوى المتصل على فعل شئ فعلا .. فكر مليا ثانية و أستجاب لطبيعته المتمرده التي ترفض الإستسلام و أغمض عينيه في قوة و قرر تجاهل ما يحدث و أغلق الهاتف مرة ثانية بدون سابق إنذار.

دخل الكافية ثانية و سأل النادل عن اشياءة التي سرقت و لكن النادل لم ير شيئا و لا يعرف كيف سرقت، خرج نسيم من الكافيه ممسكا موبايله يبحث بعنبه يمينا و يسارا ثم رفع الهاتف و يتصل بزوجته فيقابل الصمت أذنيه نظر للموبايل فوجده لا يستقبل شبكة عقد حاجبيه ثم أطفأه و أشعله مرة أخرى، أحسس ببعض النقر على كتفه من خلفه فألتفت فوجد شخص غريب مع أصدقائه ينظر له و يستأذنه أن يلتقط لهم صورة .. في وسط عواصف أفكاره ألتقط الموبايل من يد الغريب ليلتقط لهم صورة سريعة بعدم تركيز و أهتمام، ثم أمسك صاحب الصورة الموبايل ليرى الصورة و تجمع حوله أصحابه ليعاينوا الصورة معه و لكن موبايله رن مستقبلا مكالمة.

أشعل نسيم الموبايل و حاول الإتصال بزوجته و لكن لم يستجيب و مثل الأمر مع أبنته .. الموبايل لا يستقبل شبكة تماما، شعر ببعض النقر على كتفه مرة أخري فأستنتج أن هؤلاء الشباب يريدون صورة ثانية فالتفت بعصبية غير مقصوده قائلا:

ــ نعم؟؟!!!

وجد بالفعل نفس الشاب مرة أخرى مادا ذراعيه بالموبايل ليعيطيه إليه و قال و تملأ وجهه نظرة غريبة:

ـــ تليفون عشانك.

نسيم في إندهاش مروع:

ـــ نعم!!! .. عشاني أنا.

ـــ أيوه هو قالي أديني الراجل اللي كان بيصورك دلوقتي.

قفز الذهول على وجهه نسيم غير متنازلا عن تركه و هو يلتقط الموبايل ببطئ و يقول:

ـــ ألو.

أستقبله صوت منفعل

ــأنا كنت عامل حسابي إنك هتتعبني .. أوعى تفتكر إنك قفلت الموبايل في وشي إن الموضوع خلص .. أنا هعرفك إنك مبتتعاملش مع أمااااااك .. موبايلك مش هيلقط شبكة غير لما أنا أعوز.. بنتك و مراتك مش في المول و مش هتعرف هما فين غير لما تنفذ اللي بقولك عليه .. تعاملي معاك هيبقا عن طريق التليفون اللي في إيدك ده.

ــ أزاي

ـــ معرفش .. إتصرف .. ده تمن إنك قفلت من غير ما اكمل كلامي .. هكلمك كمان ربع ساعة على نفس الرقم ده عشان نكمل كلامنا .. سلام.

ثم أغلق الخط في و جهه و تركه في و سط حيرة ينظر للموبايل كأنه يستنجد به و وإمارات الاستنكار تكسو ملامحه ، تشققت أحباله الصوتية من جفافها فلم يقوى على قول شئ حتى لو لنفسه.

ترى ماذا سيفعل نسيم في هذا الموقف الصعب.



أنتهي الجزء الأول 

يتبع... 

المعسكر 6 .. الأخيرة

قرب نهاية الليل و قبل بزوغ الشمس بحوالي ساعتين و أكثر .. وقفت الفصيلة على شكل طوابير منتظمة الشكل في أبعد أركان باحة مركز التدريب، متكوم ...