انصرف عمرو بعد التحية العسكرية و خرج من المكتب ليذهب للمسجد لصلاة المغرب جماعة .. نزل عمرو على ركبتيه ليخلع حذاءة فأمسكته يد من كتفه فنظر من أمسكه فوجده ناجي الأزهري قائلا:
ــ أنت بتعمل أيه؟
ــ هصلي.
ــ لأ انت هتصلي معايا في أخر جماعة و دي تعليمات عادل باشا رجلي على رجلك و أي حاجة غلط هتعملها هبلغه بيها.
أنقضت الست جماعات المغرب ودخلت الجماعة السابعة ، و قف ناجي الأزهري إمام للصلاة و كبر تكبيرة الإحرام و من خلفة عقد عمرو و الطحلاوي و محمود السباعي و آخرين سواعدهم بدئا للصلاة و هم متوسطين الصف الأول منتظرين أن يبدأ في قرآة الفاتحة جهراً و مر الوقت ببطء و لكن دون شئ.
الدقيقة الأولى، الثانية فالثالثة و لكن الأمر أصبح مللا للغايه و أقرب للهزل منه للصلاة، رفع عمرو رأسه متفحصا ناجي الأزهري و لكن وجده يقف شاخصا لأعلى و أذرعه بجانبه بدون حركة، ظل ينظر إليه و لكن ليس هناك جديد و ..
لمح عمرو أن جسد ناجي في بدأ في الأرتعاش، بدون تردد خرج عمرو من وضعية الصلاة و ذهب ليتفحص ناجي ففوجئ عمرو مصعوقا بحالة ناجي الأزهري الذي ينظر لأعلى متيبسا جسده كله و ضاغطا على أسنانه و ضروسه بقوة شديده حتى إن أصوات هذه الجز بدء في العلو ثم بدأت تنزل بعض قطرات الدم من بين أسنانه و عينيه تلونت باللون الأبيض لا تتوسطها دائراتنا السوداء و بدأ يزوم ناجي الأزهري بصوت عالي .. كل هذه و يقف أمامه عمرو عاجزا مشلولا .. لم يقف عمرو كثيرا حتى انضم له الطحلاوي و السباعي و البقية مذهولين مما يروه .
انقض الطحلاوي على فك ناجي الأزهري يحاول أن يفتحه عنوة خوفا من أن يهشم أسنانه إذا استمر على هذا الوضع قائلا:
ــ هاتولنا كوباية ماية نرشها عليه و لا حاجة.
بعد أقل من دقيقة رجع الغمري مسرعا يحضر كوب من الماء، و سلسة من قماش غريب معلقا بها عملة معدنية محفور عليها بعض الأشكال و الأحرف العربية، أخذ بعضهم في رش الماء على وجهه و علق الغمري السلسلة القماشية برقبة ناجي الذي أرقدوه أرضا و الغمري يقول:
ــ هو قالي البسه دي في أي موقف مش طبيعي ممكن يحصله.
ثم بدا في قرآة المعوذتين بصوت عالي و بترتيل جميل متقن وسط هذا الجو المليئ بالغموض و الضباب.
أستمر الوضع هكذا ما يقرب من الساعة حتى هدأ ناجي و رجعت عيناه لوضعها الطبيعي و ارتخي فكه على أسنانه، ارتكز ناجي على مرفقية محاولا رفع جزعه حتى نجح في ذلك بأعين مذهولة و أطراف مرتعشة نظر في الوجوه المحيطة حتي توقف بنظره عند عمرو ثم أشار إليه بأصبع مهتز و بصوت مرتعش سئل:
ــ أنت اسمك أيه؟؟!!
نظر عمرو حوله في استغراب ثم قال:
ــ أنا عمرو يا ناجي مالك؟؟ .
رد ناجي بصوت عالي:
ـــ أنا عااااارف .. أسمك عمرو أيه؟
الصمت عم المكان و بدأ المحيطين يلتفون لعمرو متسائلين، فلزم عمرو الصمت و لم يرد و إنما انعقد حاجباه في تحول لملامحه من البراءة للقوة و الغضب، فكرر ناجي:
ــ مبتردش ليهههههههه.
ــ أنا أسمي عمرو .. عمرو العاصي.
****
هدأ الموقف تماما و أستجمع ناجي الأزهري قواة و التف مجندون العنبر من حوله كأنهم في حلقة دراسية تاريخية كالتي كانت تقام في المساجد قديما، و بدأ ناجي الحديث:
ــ عشان أحكلكوا اللي حصل في المسجد و تفهموه، لازم تعرفوا الموضوع بدأ ازاي من الأصل.
تنهد ناجي تنهيدة حارة ثم أكمل:
ــ على عكس ما هو متوارث ان أبن آدم هو أول مخلوق عاقل وجد على وجه الأرض فإم قبل ابن آدم كان في قومين عيشين على الأرض قوم الحن و قوم البن – الحن بحرف ال ح – عاثوا في الأرض فسادا و اكثروا فيها الفساد و دارت بينهم خلافات ادت لنشوب حروب كبيرة ، فسلط عليهم ربنا قوم من الجن يقاتلونهم - و الجن دول في بعض الاجتهادات بتقول أنهم قبيلة من الملائكة و ميختلفوش عنهم – قاتلوا الحن و البن لسنين كادوا أن يفنهوهم و طردوا الشرذمة الباقية منهم في أطراف الأرض و البحار، و من بعدهم سكن الجن الأرض لكن تكررت نفس القصة مع الجن و اتقسموا جزء مؤمن و جزء كافر فأرسل الله عليهم الملائكة قاتلوا الكافرين منهم و طردوهم لقمم الجبال و و المناطق النائية التي لا يسكنها القوم القادم من بعدهم اللي هو احنا ابن آدم .. طبعا كل الإجتهادت دي كلها من بعض العلماء خلف الآية اللي بتقول ( أتجعل فيها من يفسد فيها و يسفك الدماء) و ده السؤال اللي كان من الملائكة لله و بينم على و جود تجربة قديمة فيها فساد و دماء و اللي فتح باب الإجتهاد و اللي علمة عند ربنا و محدش يعرف حقيقته غيرة.
سكت ناجي و نظر للجالسين أمامه محدقين ثم أكمل:
ــ و أنا داخل اصلي بيكوا و قبل ما أكمل تكبيرة الإحرام، كل حاجة اتغيرت من حوليه و لقيت نفسي واقف قدام واحد من الجن شكله الريس بتاعهم و واقف وارايا اربع افراد من الحن مصوبين ناحيتي رماحهم، محدش يسألني فرقت بينهم ازاي مين حن و مين جن لأن مفيش فرق واضح لكنهم عرفوني بطريقتهم، و على فكرة هما شبه البني ادمين في تكوينهم الجسماني و عندهم دم زينا بس محدش يعرف لونه أيه.
قاطعه الطحلاوي سائلا:
ــ انت عرفت الكلام ده كله منين يا جي؟!!!.
ــ تفتكر هما جايبني هنا ليه عشان ازهري و خلاص ؟؟ .. لأ ، لأني أنا و أهلي عارفين الكار ده من زمان و عارفين كل خباياة و نعرف نحمى الناس منه كويس، زي عمرو كده بالظبط.
التفت الجميع لعمرو ينظرون إليه نظرة أستفهام متفاجئين و هو يتبادل النظر معهم في صمت فأكمل ناجي:
ــ متقولهم أنت بتشتغل أيه و من نسل مين.
نظر عمرو أرضا في غضب معقود الحاجبين قائلا في هدوء:
ــ انا مبشتغلش مع أبويا و مبحبش الكار ده من زمان، بس أنا من نسلهم و اللي بيصيبهم لازم يصيبني .. زي ما باين من اسمي كده أنا اسمى عمرو العاصي من نسل الشيخ الجليل عمرو العاصي اللي كان واحد من خدام الصحابي الجليل عمرو بن العاص رضي الله عنه و اللي من كتر حبه فيه سمى نفسه على اسمه و سمى ابنه من بعده عاصي لتبدأ السلالة كلها بنفس الاسم، و كل أسامينا كده يا عمرو يا عاصي، يعني أنا اسمي عمرو و لازم اخلف ولد أسميه عاصي و هكذا.
رد ناجي:
ــ كمل بتشتغل ايه؟
ــ انا قولتلك مبشتغلش معاهم .. لكن أهلي هما اللي بيعرفوا يتعاملوا مع الجن و الحن و بيساعدوا الناس أنهم يخلصوهم من أي ضرر ممكن يجي عن طريقهم مش أكتر من كده.
نظر عمرو لناجي و سأله:
ــ لكن انت مقولتش ايه اللي حصل بعد ما لقيت نفسك قدام الجن و قالولك أيه؟!!
نظر ناجي لعيني عمرو نظرة طويله بغضب مما أخفاه عليه و على قائد المركز، و كيف رمي القدر هذا لشخص بالذات في هذا المركز الملبوس ليتم عليهم مصيبتهم الذين يعيشونها و متغافلين عن كل ما يدور .. ثم قال ناجي بعد أن خرج تلك الأفكار رأسه:
ــ عايزينك أنت يا عمرو.
و تجمد الموقف و الصورة تماما، لما تحمل طلبات الجن على لسان الناجي من معان خطيرة، تحمل في طياتها رائحة الدم الذي سينسال متدفقا و يعلم الله ما لذي يمكن أن يوقف هذا النزيف بين هذين العالمين.
انتهى الجزء الرابع
مع تحيات معتز حجازي.
للجزء الخامس أضغط على اللينك التالي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق