الجمعة، 2 يونيو 2017

الغرفة 2

قذف شخص ما داخل الغرفة ساقطا على الأرض على وجهه، وقف هذا الشخص الرفيع و ظهره في مواجهة كوستا ينظف ملابسه التي إتسخت من تراب أرض الغرفة ثم يعدل منظارة و هو يلتفت لكوستا.
إتسعت حدقتا كوستا بذهول كبير غير مصدق، فقال له هذا الذي سقط في الغرفة معه:

ــــ أزيك يا كوستا.

ــــ شريف الصواف !!! ... أنت جيت هنا إزاى؟

رد شريف في هدوء – شريف رفيع إالي حد كبير يرتدي نظارة طبية زحف الصلع لمنتصف رأسه، مرتديا قميص و بنطلون جينس- :

ــــ أنا آسف يا كوستا و الله مكنش قصدي ألبسك في أي حاجة من إللي حصلتلك.

إقترب كوستا من شريف و أمسك كتفيه و هو يقول في توتر:

ــــ أنت كويس يا شريف؟ .. ايه اللي جابنا هنا .. و أيه اللي أنا اتعكيت فيه.

نظر شريف لكوستا في عينيه و يرد:

ــــ انا اسف يا كوستا .. بس أنت اتصلت بيا في وقت كنت خلاص إتخطفت و المفروض محدش يعرف أني رجعت  بس أنت عشان لسه جدع زي ما أنت قعدت تدور عليا.

ثم إبتسم شريف و أكمل:
ـــــ لغاية لما لقتني,

رد عليه كوستا و ما زال الذهول ممسكا في ملامحه:

ــــ أنا ملقتكش يا شريف، هما اللي لقوني.

ثم صمت برهة و هو ينظر للأسفل ثم نظر لشريف و قال:

ـــــ مين دول اللي خطفنا يا شريف؟

صعد شريف جالسا على المكتب رغم ما يعتلي المكتب من غبار، ثم رد على كوستا:

ــــ ده موضوع يطول شرحه.

أنفعل كوستا قائلا:
ــــ أنت هتهرج يا شريف أتخطفت بسببك مع ناس غريبة  في الأوضة الزفت دي و مش عايز تعرفني أنا ليه وصلت هنا و إتعكيت معاك في أيه.

نظر شريف لكوستا مذهولا غير متوقع هذه ردة الفعل العنيفة، ثم رد عليه:
ــــ طيب أهدى شوية و أنا أحكيلك كل حاجة.

صمت شريف الصواف قليلا ، نظر للأسفل ثم لأعلى و كأنه يتذكر أشياء ثم بدأ الكلام:
ــــ بص ياسيدي .. زي ما أنت عارف بعد ما أتخرجنا قعدت إشتغلت هنا في مصر سنتين بعد كده عرفت أجيب منحة في ألمانيا و سافرت عملت ماجستير و إشتغلت هناك في كذا مشروع لمحطات الكهرباء و عملت الدكتوراة و أنا يشتغل في - تطوير محطات الكهرباء بإستخدام أقل كمية من الماء للتقليل من الضرر البيئي الواقع على البيئة -  و كنت شغال، و الدنيا كانت ماشية معايا كويس، وصلت لدرجة مشرف أو مستشار في إنشاء المحطات الكهربية ..
قاطعة كوستا:
ــــ أنا عارف كل ده يا شريف، فين المشكلة؟

أكمل شريف و كأنه لم يسمعه:
ــــ سنين و الدنيا ماشية على نفس الوتيرة بدون أي جديد، تمام؟ .. طبعا زي ما أنت عارف إن الرئيس بيحاول يعمل بنية تحتية لمصر لأن احنا متأخرين في كل حاجة و من ضمن الحاجات دي (الطاقة) و خاصة محطات الكهرباء، لو متابع الأخبار، الرئيس متفق على أربع محطات كهرباء مع دولتين- اتنين مع الصين و اتنين مع المانيا – الصين هتبدأ بواحدة و المانيا بواحدة و بعد ما يخلصوهم كل بلد تبدأ في المحطة التانية أأأ ...

قاطعة كوستا مجددا:
ــــ أنت بتقولي الموجز يا شريف؟؟

شريف:
ــــ عايز تعرف ايه اللي جابك هنا ولا لأ؟
ــــ كمل ياعم.
ــــ محطة الكهرباء اللي ألمانيا بتعملها هتنفذها عند بحيرة ناصر، عشان هما هيعملوا محطة كهربائية بخارية فا بحيرة ناصر هتكون مناسبة جدا لمصدر للماء و تبريد المحطة في نفس الوقت .. المهم أنا من ست شهور جالي مندوب من الرياسة معاه مندوب من وزارة الخارجية يكلفوني إني أكون مستشار في تخطيط محطة الكهرباء اللي ألمانيا هتنشئها في مصر .. أنا رفضت في الأول الموضوع، خصوصا لأني كنت خارج من مصر و ناوي أقطع بيها كل صلة ممكن تريطني بيها، بس الحقيقة مندوب الرياسة فضل يقنعني إني أقبل أشتغل في المشروع ده نظرا لشهرتي في المجال ده و كوني مصري فا ده هيخليني أركز أكتر .. على فكرة هما كانوا فاكرين كده و ده مش حقيقي لأني أنا كله عندي واحد مصري أو غيرة بس هما أصروا جدا و بأجر مبالغ فيه .. فقبلت.

تملل كوستا في وقفته ثم جلس على الأريكة المهترئة سامعا لكلام الشريف.

أكمل شريف:

ــــ بدأت الشغل مع التيم الألماني و هم كانول صدني في الأول مش عايزين يعرفوني أي حاجة عن المشروع بس أنا طريقتهم استفرتني فأصريت أتدخل اكتر عشان أعرف كل حاجة بيعملوها مش من باب مصر و الكلام الحمصي ده، لأ، بس لأني أول مرة أشوف معاملة مش بروفيشنال من ألمان بالطريقة دي، المهم ، واحدة واحدة في خلال ست شهور عرفت كل صغيرة و كبيرة عن المحطة، حاجات عرفتها بمزاجهم و حاجات عرفتها من وراهم .. و بطريقة ما عرفوا إني عرفت حاجات مكنوش عايزني أعرفها فبدءوا يغيروا في الداتا اللي متقدمالي، فا أنا مستنتش أكتر من كده و طلعت على السفارة أقابل السفير أو أي ملحق .. قابلت السفير و بلغته اللي حصل و اديته الداتا و الورق اللي ليها بالموضع ده قالي أنه هيساعدني، سبته أسبوع و بعدين ملقتيش رد ، رحتله قاللي محدش رد عليه من مصر، قولت مش هستني أكتر من كده، رجعت مصر أول ما رجعت خطفوني.

صمت شريف و هو ينظر لكوستا.

قال كوستا:
ــــ ايه اللي أنت عرفتوا يا شريف يخطفوك عشانه.

رد شريف قائلا:
ــــ حاجات تكنيكل في المحطة مش هتفهمها.

ــــ ... في أيه يا (سباب)، أنت ناسي إني هندسة زي زيك.

نظر شريف لكوستا ثم أعدل جلسته على المكتب و قال:
ــــ بشكل مبسط المحطة البخارية الكهربائية بتسخن المياة و تحويلها لبخار و من سخونة البخار يحولها لكهرباء، المحطة اللي الألمان بيعملوها دي متقدمة لمصر على أساس إنها هتدي طاقة أعلى من أي محطة في فئتها و بتكلفة أقل، و دي كانت أول نقطة لفتت نظري .. بعد فحص و محص لقيت إن الألمان هيطلعوا سخونة أعلى و أسرع عن طريق تبخير نفايات كيماوية في المياة اللي هيبخروها و ده طبعا هيإذي البيئة المحيطة في الجو و مياة بحيرة ناصر و ده مفروض ميحصلش بس لأننا عالم تالت طبعا استحلوا ده.

عقد كوستا حاجبيه للغاية ثم سأل:
ـــــ و ضرر موضوع النفايات الكيماوية ده عالي أوي؟

ضم شريف شفتيه و قال:
ـــــ الشركة المنفذه لمحطة الكهرباء متفقة مع تلات دول تأخذ منها النفايات الكيمياوية بتعتها و تتخلص منها في المياة بتعاتنا عن طريق محطة الكهرباء اللي هيعملوها، زي النفايات اللي كنا بنسمع إنهم بيدفونها في أرضنا زمان .. حاجة شبه كده بس دول هيتخلصوا منها في الجو عن طريق تبخير النفايات الكيمياوية و تدوبيها في مياة تبريد المحطة.
أتسعت عينا كوستا و قال بصوت خافض:

ــــ يا نهار أسود، أنت دايما عاكك نفسك في حاجات، و عاككنا معاك أنا أيه اللي خلاني أكلمك إنهاردة، ما كان زماني قاعد في بيتي.

نظر له شريف له نظرة طويلة و تمتم لنفسه:
ــــ و أنا اللي لسة كنت بقول أنك جدع زي ما أنت.

كوستا:
ــــ و دي شركة اللي كنت شغال معاهم و لا عصابة.. هما عرفوا ازاي أنك رجعت مصر عشان كده؟
شريف:

ــــ تفتكر مشروع زي ده و بالشكل ده مش هيكونوا عارفين كل خطوة أنا بعملها.
ــــ ده الموضوع كده داخل في أجهزة مخابرات.يا عم شريف يا صواف.

ـــ طبعا يا كوستا دول خطفوني أول ما نزلت أرض مصر ـ

توتر كوستا و بدأ يتحرك يمينا و يسارا بدون هدى متخبطا مثل أفكاره ثم قال:
ــــ هنعمل أيه دلوقتي يا شريف.

رد شريف:
ــــ هنستنى.

أنفعل كوستا مجددا:

ــــ أنت إزاي بقيت بارد بالطريقة دي.

ــــ منقدرش نعمل حاجه معاهم يا غبي، دول كيان كبير أوي دي مش خناقة في الشارع و أديك شايف أحنا محبوسين في أوضة مفيش فيها فتحة واحدة غير فتحة قاعدة الحمام.

سمع كلاهما صوت مفتاح و ضع في باب الغرفة من الخارج ليفتح الباب .. فتح الباب، دخل عليهم شخص ممشوق القوام مهندم الملابس مرتديا نظارة للشمس، ذو جسم رياضي، مرتديا بنطلون أسود و قميص أبيض يغطيه سترة واقية للصدر و مسدس ضخم معلق في خصرة .. قام كل من شريف و كوستا من مكانهم ينظرون لهذا القادم يقتربان من بعضهما ليحمي كل منهما الآخر من خطر مجهول.

دخل هذاالقادم وقف أمامهم في ثقة و إعتياد ينظر إليهم و ينظرون له لإلى أن امتعض كوستا غير مصدقا و قال بصوت عالي:

ــــ طـــــــــــــــــاااارق


أنه طارق صديقم المشترك الذي يعمل في أحد أجهزة الأمن.   


تابع الغرفة الجزء الثالث ... 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المعسكر 6 .. الأخيرة

قرب نهاية الليل و قبل بزوغ الشمس بحوالي ساعتين و أكثر .. وقفت الفصيلة على شكل طوابير منتظمة الشكل في أبعد أركان باحة مركز التدريب، متكوم ...