الثلاثاء، 17 يناير 2017

عكس إتجاه 2




كان (سالم) يقف حاملا جده بين يديه ينظر إلى مكان السيارة، و لكن لم يكن جده فقط الشىء الذي يحملة و إنما هناك أطنان من الأفكار تحملها رأسه و تزداد ثقلاً مع كل لحظه تمر عليه، هناك صوت يعلو مع كل لحظه – فلتتخاذل، إتركه يموت، لن يعيش أكثر مما عاش، لن يفعل أكثر مما فعل.
كان هذا الصوت وصل لأقصاه عندما نظر للمكان الذي وضع فيه السيارة عند مطلع الجراج حيث وجد هناك من ترك سيارتة بالعرض خلف سيارته مانعا عنه أي فرصة للخروج بسيارته.
فرصتك.
ربنا بيقولك سيبه.
إفرض كنت إتأخرت شوية، ما هو كان مات لوحدة.
أستهبل و سيبة مش هتبقى غلطان.

(سولي) فيه آيه خير... إنت شايل جدك كده ليه هوتعبان؟
هكذا قاطع (بيسو) أفكار (سالم) بصرخته عندما رأى (بيسو) (سالم) حاملاً جده و هو ثابت في مكانة بدون حراك، نظر إليه (سالم) بنظرة خاوية بدون أي تأثر يحدق به.

صرخ فيه (بيسو) مرة ثانية: يابني أنت متنح كده ليه، عربيتك مقفول عليها مش هتعرف تتحرك و مش هتلاقي تاكسي يركبك و أنت شايل جدك كده، أنا هروح أحيب عربيت و أوديك المستشفى.

أشار إليه (سالم) بالإيجاب بإيماءة من رأسة.

جري (بيسو) ناحية سيارته ليركبها، ثم أتى بسيارته و توقف أمام (سالم): - يلا أفتح الباب و حط جدك ورا و تعالى انت قدام.

تحرك (سالم) ببطء غير مقصود و كأن هذه الأفكار مازالت تداعبه و لكنه غير قادر على إتخاذ القرار بل على عكس أفكاره يبدو أن الأقدار أتت في صالح جده وأتي (بيسو) ليوصلهم إلى أقرب مستشفى لينقذ جده و يعيش أكثر مما عاش و ينتظره (سالم) أكثر مما انتظر، سيترك نفسه للأقدار و لن يحرك دفته.
   
قاطعة (بيسو) بصوته العالي مرة أخرى: يلا يابني وصلنا، أتحرك.

نظر إليه (سالم) مصدوم و كأن بيت خرب أوصلته بفولت كهرباء عال فجأة راداً عليه و هو يفتح باب السيارة بصوت مرتعش: حاضر حاضر.

حمل جده بين يديه و أسرع الخطى ناحية مدخل طواريء المستشفى، نظر إلي جده و هو يخطو بسرعة و صوت نفسة يعلو و يهبط و تحدث إليه:
 - آيه يا جدو هتعملها و لاناوي علي آيه.
و كأن جده ينتظر هذا السؤال، ففتح عينية مسافة نصف سنتيمتر و رد عليه بصوت مبحوح:
 - آه ... ه ع ملهاا.

إنقض عليه إثنان من الدكاترة و الممرضين حملا جده منه و وضعوه على نقالة بسرعة وخفة محترفين و دخلا غرفة من غرف الطواريء، و لكن(سالم) كان يقف مكانة غير مصدق ما حدث من جده فهو لم بلق هذا السؤال ليسمع رد إنه كان فقط يحدث نفسه، و لكن ما حدث جعلة يفكر في أشياء لم يفكر بها من قبل.

هل كان يعرف إنني أريده أن يموت لأرث مال أبي.

وإن كان يعرف لماذا كان يعاملني بطيبة، الأنني حفيده فقط.

و إن كان يعتقد إنني أتمنى له حب البقاء كما يتمنى لي، ماذا كان يفعل و أنا تاركه وحده بالأيام.

ماذا  كان يفعل في هذه الأيام وحيداً و جميع من يعرفهم أصبحوا تراباً تحت التراب.

دخل المستشفى جاراُ قدمية الثقيله، وجد على يمينه سلم فأستسلم لقدميه و جسده و أفكاره و طرح نفسة على أول درجة سلم، وضع رأسه بين ركبتيه، لا يسمع من حوله و لا يرى من نزل من جانبه كان أو صاعداً، حتي (بيسو) أتى أمامه يحدثه و يشير إليه بعض الأشارات و لكنه لم يكن يسمعه.

لقد توقف به الوقت و كأنه دخل في شق صغير داخل جدار الزمن لم يعد يهتم، لم يعد يريد، لم يعد حتى أن لا يريد، لقد إنتبه إنه أصبح مثل جده، كل من كان لهم صلة دم به أصبحوا في جيوب الأرض، إذا خرج من المنزل من الممكن أن لا يرجع لأن ليس هناك من ينتظره، ليس من المهم أن يشتري طعاما لأنه ليس هناك من يأكل، سوف يصبح وحيداُ كما كان يتمنى دائما، يصادق أثاث المنزل و يتكلم مع حوائطه، لن يتذكر جده كثيراً لأنه كما تركه كثيرا و هو حي سيتركه جده و حيداً في ذكريات فارغة و هو ميت.

أخذ الندم ينشع على حوائط أفكارة و من ثم تسلل النوم إلى عينعه، فترك نفسه للنوم و هو جالس على السلم هاربا من واقعه.

لم ينم (سالم) كثيرا أو هكذا شعر، فتح جفنيه بوهن نظر إلى أعلى فوجد السماء، أدار رأسه يمينا فوجد الشارع ثم أدارها يسارا فوجد أمامه عمارة من ستة طوابق تقريبا، فأسند ذراعية على الأرض ليقوم بعد أن وجد نفسه مستلقيا على الأرض فحدث نفسه مستغربأُ:

أنا فين. 



يتبع...



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المعسكر 6 .. الأخيرة

قرب نهاية الليل و قبل بزوغ الشمس بحوالي ساعتين و أكثر .. وقفت الفصيلة على شكل طوابير منتظمة الشكل في أبعد أركان باحة مركز التدريب، متكوم ...