في نشاط خلية نحل كان يتحرك مجندين العنبر تنفيذا للأوامر و تجهيز أمتعتهم للبيات خارج المركز في غرفة من غرف التمركز الخارجية و ذلك بناءا على أوامر الضابط عادل الدميري، تجهز جميع المجندين حاملين أمتعتهم على ظهورهم خارجين في صف واحد، أوقفهم ناجي الأزهري بنداء بصوته العالي
ــ روح يا طحلاوي أنت و سباعي شوفلنا عمرو فين عشان منتأخرش .. هو كان قاللي هيروح يتوضأ، لو ملقتوش في الحمام بصوا عليه في المسجد.
ذهب الطحلاوي و سباعي مسرعين الخطى و وقف الجميع منتظرين، و ناجي الأزهري يتحرك ذهابا و إيابا في توتر ثم من بعيد سمع الطحلاوي ينادي بصوت عالي:
ــ الحقنا يا ناجي .. تعالي ياناجي.
ركض ناجي بسرعة متجها لمكان صوت الطحلاوي الذي يأتي من عند المسجد، توقف بالقرب منهم يتفحصهم ليفهم لما هم في تلك الوضعية، كان عمرو يصلي ساجدا على الأرض و السباعي و الطحلاوي كل منهم ماسكا ذراع من أذرع عمرو يجذبه بقوة ليجبرانه على الوقوف، حتى ان وجوههم تسرب إليها الاحمرار و نفرت العروق .. توقف ناجي مذهولا اقفا في مكانه ينظر لهم ثم سألهم بصوت مذهول:
ــ هو في أيه؟؟!!
رد الطحلاوي:
ــ أنت لسه هتسأل في أيه أعمل حاجة .. خليه يشيل رأسه من على الأرض؟؟
أقترب ناجي منهم في خطوات بطيئة تفحص عمرو جيدا، وجد بجانبه تلك السلسلة التي كتب عليها أسم الله القدير ملقاة بجانبه، و بذهول و استفهام أمسك السلسلة و ألقاها على رقبة عمرو ليرتديها و بمجرد أن لامست القلادة المربوطة بالسلسلة جسده، استجاب جسد عمرو لجذب الطحلاوي و السباعي حتى أنهم سقطوا على ظهورهم.
في إعياء شديد و بصوت مبحوح قال عمرو:
ــ أيه اللي حصل؟؟
سبق ناجي الكل من الطحلاوي و السباعي في الرد قائلا:
ــ المفروض ان أنت اللي تحكلنا حصل أيه .. احنا جينا لقيناك كده.
ــ انا اتوضيت عشان اصلي زي ما قولتلك .. فا قولت اصلي دلوقت و أضمن عشان ممكن اتشغل و أضيع عليا العشاء.
ــ و صليت برة المسجد ليه؟
نظر عمرو للمسجد و هو يحاول القيام من الأرض قائلا:
ــ المسجد مأفول يا ناجي.
صمت ناجي و هو ينظر لعمرو نظرات مريبة، فسأله:
ــ و قلعت السلسلة بتاعتك ليه؟
أمسك عمر السلسلة في عنقه ثم رد:
ــ أنا مقلعتهاش يا ناجي .. ممكن تكون وقعت مني و أنا بصلي.
صمت تام أحاط المكان و لم ينبس احدهم ببنت شفة، فقاطع ناجي الصمت:
ــ متأكد ان ده كل اللي حصل؟؟؟!!
ظهر الغضب على عمرو قائلا:
ــ قصدك أيه؟؟
ــ لأ مقصديش حاجة .. يلا على الطابور عشان أسلمكوا الأوضة.
***
تسلم المجندين تلك الغرفة الواسعة خارج أسوار المركز، تشتمل الغرفة على عشرين سرير و أربع نوافذ كبيرة تتخللها قضبان حديدية، تـأكد ناجي من تسلمهم لكل شئ ثم خرج منها و من وراءه خرج عمرو و الطحلاوي:
ــ متنساش يا عمرو زي مل قولتلك لازم تعملوا نوبة صحيان المكان برة المركز مش متحصن.
أومأ عمرو و الطحلاوي متفهمين كلام ناجي الذي تركهم و أستقل السيارة الوحيدة في المركز ذاهبا لبلدته ليحضر السلاح المزعوم.
اتفق عمرو و الطحلاوي أن يتناوبوا الصحيان حتى شروق الشمس و أستلم الطحلاوي النوبة الأولى و تركه عمرو و نام في الداخل و جلس الطحلاوي في الخارج ممسكا عصاه الخشبية جالسا على كرسي خشبي متهالك من خلفة الغرفة الصامتة و من امامه الصحراء القاحلة التي لا يرى منها سنتيمتر واحدا.
كان الطحلاوي غير معتاد على تلك الأجواء الصامتة المرعبة و كل دقيقة ينظر لساعته حتى يوقظ عمرو ليأخذ نوبته، و لكن حين تشتهي الفرار تتباطأ الأقدار و تتسارع الأكدار .. مرت ثلاث ساعات على الطحلاوي كثلاث عقود حتى أنه ظن أن شيب ابيض قد ظهر له ..
في نهاية نوبته، سمع صوت مألوف له و لكنه لم يكن يتمنى أن يسمعه الآن في هذا الوقت أو المكان فتح عينيه وجد أمامه ثعلب ضخم للغاية من ثعالب الصحراء و لكن المشكلة لم تكن تكمن في الثعلب الذي يزمجر و إنما أتباعه الذين يقفون خلفة الذين قاربوا العشرين ثعلبا و كلبا .. ترجل الطحلاوي من الكرسي ببطء ممسكا عصاه في تحفز و بيد مرتعشة غير واثق أنه من الممكن أن يفعل أي شئ في مواجهة كلاب الصحراء البرية التي تنظر له بتحفز غريب غير حيواني مليء بالمشاعر البشرية المقيتة.
أنتفض الطحلاوي بقوة عندما وضع عمرو يده علي كتفه يناديه بحركة هادئة حذرة،ـ أشار له عمرو أن يرجع للخلف بحركة بطيئة و بدون إصدار صوت، بالفعل رجع الطحلاوي بخطوات بطيئة للغاية و هو ينظر للكلاب التي صوت زمجرتها يتصاعد يراقبونه في صمت غير فاهمين ثم أدركوا الخدعة فانطلقوا ناحيتهم راكضين مسرعين منقضين لأنيابهم مكشرين .. كانا عمرو و الطحلاوي على بعد خطوة من الباب فأمسك عمرو الطحلاوي من لياقة قميصه جاذبا إياه بقوة شديدة يدخله الغرفة و يغلق الغرفة بقوة لتصطدم الكلاب واحد تلو الآخر ببعضها، بعد أن كانت أنياب الكلاب على بعد مليمتر من الطحلاوي .. وقف كلاهما يلتقط أنفاسه من الخوف و الفزع ثم التفتا خلفهم مسترحين و ما وجدوه داخل الغرفة جعلهم يوقنون أن الكلاب خارجا أرحم كثيرا مما وجدوه داخلها.
الكلاب تنبش باب الغرفة بمخالبها من الخارج .. و عمرو و الطحلاوي يمسكا عصاهم في تحفز بقبضة قوية .. كان مجندين الغرفة غير راقدين على أسرتهم واقفين ظهورهم في ظهر بعض في منتصف الغرفة حتى لا يدخل شئ بينهم كل منهم ممسك شئ ما في يده استعدادا لمعركة وشيكة، منهم ما يمسك بيادته و منهم من يمسك سكين و منهم من يمسك عصا و منهم من كور قبضته العاريتين.
و على مشارف النوافذ الأربعة للغرفة كان يتسلل ببطئ زاحف حيات من جميع الأشكال و الأحجام و الألوان و الأنواع تحاول دخول الغرفة.
قال لهم عمرو في صوت قوي واثق:
ــ يا رجاله متخفوش .. هنهجم بضربة واحدة على الرأس مرة واحد هيموتوا.
ثم حدث نفسه بصوت خافت غير مسموع:
ــ و الله أعلم هما كام واحد.
ثم تابع بصوت عال:
ــ هنعمل صفين قدام كل شباك أول صف قدم الشباك على طول، يضرب الحية قبل ما تخش من اللشباك على راسها و الصف التاني اللي وراه هيتابع عشان لو الصف الأول فلت منه حاجة التاني يضرب .. مش عايزن الحيات تدخلنا الأوضة مهما كان التمن، و لو حد من الصف الأولاني تعب يغير من اللي واقف في الصف التاني .. يلا يا طحلاوي يلا يا سباعي .. اتحركواا.
و بدون مناقشة تم تنفيذ اقتراحات عمرو بسرعة لمناسبتها للظروف .. و بدأ القتال على الفور بدون هوادة انقضت جميع الصفوف الأولى من بينهم عمرو بسرعة يضربون تلك الحيات التي تحاول الدخول من نوافذ الغرفة، تكاثرت أعداد الحيات التي تدخل و بدأ يتساقط منها دون أن يموت على يد الصفوف الأولى فتستقبله الصفوف الثانية لتذيقهم الندم، و في الخلفية صوت عواء الكلاب في الخارج التي مازالت تحاول الدخول .. تواصل القتال لما يقارب الساعتين متواصلين من قتل الحيات التي تملك إصرار غريب في الدخول من النوافذ و كأن أعدادها لا تنتهي، أصبحت جثث الثعابين المقتولة يتزايد تحت أرجل المقاتلين حتى صار من الممكن أن يقفوا عليها .. و بدون مقدمات اختفي صوت الكلاب التي تعوي في الخارج و توقفت عن نبش الباب بمخالبها، ثم انفتح الباب بقوة شديدة و اقتحم ناجي الغرفة و هو يرتدي زي غريب و كأنه لم يذهب لبلدته ليحضر بعض السلاح القديم و إنما رجع بالزمن ليحارب في جيش صلاح الدين، فقد كان يرتدي درع من الحديد على صدرة و رمح قوي من الحديد و يمسك درع مستطيل الشكل في يده الأخري قائلا لهم:
ــ وسعوا.
أفسح المقالين الطريق ودخل ناجي الغرفة ثم و بقوة بطل خارق ضرب الرمح في الأرض في منتصف الغرفة ليننغرس في أجساد جثث الثعابين ثم أخترق الأرض، ثم ثبت عليها الدرع المستطيل بمشبك حديدي من الأعلى و كأن الرمح و الدرع طقم مترابط ببعضه و مجهز لهذه الأفعال .. جلس ناجي القرفصاء تحت الدرع وضربه بكفة بقوة الدرع من طرفة فبدأ الدرع في الدوران بسرعة و بدأ ناجي يقول بعض الأشياء بصوت خافت.
وقف الجميع ينظرون لأفعال ناجي الغريبة و التي على اثرها بدأت الحيات في الانسحاب من النوافذ و تترك الغرفة هاربة، أستمر ناجي هكذا ما يقارب العشر دقائق حتى انتهي الخوف و فرغت الغرفة من الثعابين .. فوقف ناجي بشموخ و انتزع الرمح و الدرع من مكتنهم و التفت للمجندين قائلا بصرامة:
ــ جاهزين يا رجالة.
و يبدو مما شاهدوه هذه الليلة أن ما هو آت أصعب، و خارج حدود الإدراك و ما فعلة ناجي أمامهم الآن أشعرهم بمدي عدم منطقية الموقف القادم .. و الذي سيحمل الفصل الأخير.
أنتهى الجزء السادس
مع تحيات معتز حجازي.
في أنتظار أرآكم