الأربعاء، 16 مايو 2018

المعسكر 6








في نشاط خلية نحل كان يتحرك مجندين العنبر تنفيذا للأوامر و تجهيز أمتعتهم للبيات خارج المركز في غرفة من غرف التمركز الخارجية و ذلك بناءا على أوامر الضابط عادل الدميري، تجهز جميع المجندين حاملين أمتعتهم على ظهورهم خارجين في صف واحد، أوقفهم ناجي الأزهري بنداء بصوته العالي

ــ روح يا طحلاوي أنت و سباعي شوفلنا عمرو فين عشان منتأخرش .. هو كان قاللي هيروح يتوضأ، لو ملقتوش في الحمام بصوا عليه في المسجد.

ذهب الطحلاوي و سباعي مسرعين الخطى و وقف الجميع منتظرين، و ناجي الأزهري يتحرك ذهابا و إيابا في توتر ثم من بعيد سمع الطحلاوي ينادي بصوت عالي:

ــ الحقنا يا ناجي .. تعالي ياناجي.

ركض ناجي بسرعة متجها لمكان صوت الطحلاوي الذي يأتي من عند المسجد، توقف بالقرب منهم يتفحصهم ليفهم لما هم في تلك الوضعية، كان عمرو يصلي ساجدا على الأرض و السباعي و الطحلاوي كل منهم ماسكا ذراع من أذرع عمرو يجذبه بقوة ليجبرانه على الوقوف، حتى ان وجوههم تسرب إليها الاحمرار و نفرت العروق .. توقف ناجي مذهولا اقفا في مكانه ينظر لهم ثم سألهم بصوت مذهول:

ــ هو في أيه؟؟!!

رد الطحلاوي:

ــ أنت لسه هتسأل في أيه أعمل حاجة .. خليه يشيل رأسه من على الأرض؟؟

أقترب ناجي منهم في خطوات بطيئة تفحص عمرو جيدا، وجد بجانبه تلك السلسلة التي كتب عليها أسم الله القدير ملقاة بجانبه، و بذهول و استفهام أمسك السلسلة و ألقاها على رقبة عمرو ليرتديها و بمجرد أن لامست القلادة المربوطة بالسلسلة جسده، استجاب جسد عمرو لجذب الطحلاوي و السباعي حتى أنهم سقطوا على ظهورهم.

في إعياء شديد و بصوت مبحوح قال عمرو:

ــ أيه اللي حصل؟؟

سبق ناجي الكل من الطحلاوي و السباعي في الرد قائلا:

ــ المفروض ان أنت اللي تحكلنا حصل أيه .. احنا جينا لقيناك كده.

ــ انا اتوضيت عشان اصلي زي ما قولتلك .. فا قولت اصلي دلوقت و أضمن عشان ممكن اتشغل و أضيع عليا العشاء.

ــ و صليت برة المسجد ليه؟

نظر عمرو للمسجد و هو يحاول القيام من الأرض قائلا:

ــ المسجد مأفول يا ناجي.

صمت ناجي و هو ينظر لعمرو نظرات مريبة، فسأله:

ــ و قلعت السلسلة بتاعتك ليه؟

أمسك عمر السلسلة في عنقه ثم رد:

ــ أنا مقلعتهاش يا ناجي .. ممكن تكون وقعت مني و أنا بصلي.

صمت تام أحاط المكان و لم ينبس احدهم ببنت شفة، فقاطع ناجي الصمت:

ــ متأكد ان ده كل اللي حصل؟؟؟!!

ظهر الغضب على عمرو قائلا:

ــ قصدك أيه؟؟

ــ لأ مقصديش حاجة .. يلا على الطابور عشان أسلمكوا الأوضة.


***


تسلم المجندين تلك الغرفة الواسعة خارج أسوار المركز، تشتمل الغرفة على عشرين سرير و أربع نوافذ كبيرة تتخللها قضبان حديدية، تـأكد ناجي من تسلمهم لكل شئ ثم خرج منها و من وراءه خرج عمرو و الطحلاوي:

ــ متنساش يا عمرو زي مل قولتلك لازم تعملوا نوبة صحيان المكان برة المركز مش متحصن.

أومأ عمرو و الطحلاوي متفهمين كلام ناجي الذي تركهم و أستقل السيارة الوحيدة في المركز ذاهبا لبلدته ليحضر السلاح المزعوم.

اتفق عمرو و الطحلاوي أن يتناوبوا الصحيان حتى شروق الشمس و أستلم الطحلاوي النوبة الأولى و تركه عمرو و نام في الداخل و جلس الطحلاوي في الخارج ممسكا عصاه الخشبية جالسا على كرسي خشبي متهالك من خلفة الغرفة الصامتة و من امامه الصحراء القاحلة التي لا يرى منها سنتيمتر واحدا.

كان الطحلاوي غير معتاد على تلك الأجواء الصامتة المرعبة و كل دقيقة ينظر لساعته حتى يوقظ عمرو ليأخذ نوبته، و لكن حين تشتهي الفرار تتباطأ الأقدار و تتسارع الأكدار .. مرت ثلاث ساعات على الطحلاوي كثلاث عقود حتى أنه ظن أن شيب ابيض قد ظهر له ..

في نهاية نوبته، سمع صوت مألوف له و لكنه لم يكن يتمنى أن يسمعه الآن في هذا الوقت أو المكان فتح عينيه وجد أمامه ثعلب ضخم للغاية من ثعالب الصحراء و لكن المشكلة لم تكن تكمن في الثعلب الذي يزمجر و إنما أتباعه الذين يقفون خلفة الذين قاربوا العشرين ثعلبا و كلبا .. ترجل الطحلاوي من الكرسي ببطء ممسكا عصاه في تحفز و بيد مرتعشة غير واثق أنه من الممكن أن يفعل أي شئ في مواجهة كلاب الصحراء البرية التي تنظر له بتحفز غريب غير حيواني مليء بالمشاعر البشرية المقيتة.

أنتفض الطحلاوي بقوة عندما وضع عمرو يده علي كتفه يناديه بحركة هادئة حذرة،ـ أشار له عمرو أن يرجع للخلف بحركة بطيئة و بدون إصدار صوت، بالفعل رجع الطحلاوي بخطوات بطيئة للغاية و هو ينظر للكلاب التي صوت زمجرتها يتصاعد يراقبونه في صمت غير فاهمين ثم أدركوا الخدعة فانطلقوا ناحيتهم راكضين مسرعين منقضين لأنيابهم مكشرين .. كانا عمرو و الطحلاوي على بعد خطوة من الباب فأمسك عمرو الطحلاوي من لياقة قميصه جاذبا إياه بقوة شديدة يدخله الغرفة و يغلق الغرفة بقوة لتصطدم الكلاب واحد تلو الآخر ببعضها، بعد أن كانت أنياب الكلاب على بعد مليمتر من الطحلاوي .. وقف كلاهما يلتقط أنفاسه من الخوف و الفزع ثم التفتا خلفهم مسترحين و ما وجدوه داخل الغرفة جعلهم يوقنون أن الكلاب خارجا أرحم كثيرا مما وجدوه داخلها.

الكلاب تنبش باب الغرفة بمخالبها من الخارج .. و عمرو و الطحلاوي يمسكا عصاهم في تحفز بقبضة قوية .. كان مجندين الغرفة غير راقدين على أسرتهم واقفين ظهورهم في ظهر بعض في منتصف الغرفة حتى لا يدخل شئ بينهم كل منهم ممسك شئ ما في يده استعدادا لمعركة وشيكة، منهم ما يمسك بيادته و منهم من يمسك سكين و منهم من يمسك عصا و منهم من كور قبضته العاريتين.

و على مشارف النوافذ الأربعة للغرفة كان يتسلل ببطئ زاحف حيات من جميع الأشكال و الأحجام و الألوان و الأنواع تحاول دخول الغرفة.

قال لهم عمرو في صوت قوي واثق:

ــ يا رجاله متخفوش .. هنهجم بضربة واحدة على الرأس مرة واحد هيموتوا.

ثم حدث نفسه بصوت خافت غير مسموع:

ــ و الله أعلم هما كام واحد.

ثم تابع بصوت عال:

ــ هنعمل صفين قدام كل شباك أول صف قدم الشباك على طول، يضرب الحية قبل ما تخش من اللشباك على راسها و الصف التاني اللي وراه هيتابع عشان لو الصف الأول فلت منه حاجة التاني يضرب .. مش عايزن الحيات تدخلنا الأوضة مهما كان التمن، و لو حد من الصف الأولاني تعب يغير من اللي واقف في الصف التاني .. يلا يا طحلاوي يلا يا سباعي .. اتحركواا.

و بدون مناقشة تم تنفيذ اقتراحات عمرو بسرعة لمناسبتها للظروف .. و بدأ القتال على الفور بدون هوادة انقضت جميع الصفوف الأولى من بينهم عمرو بسرعة يضربون تلك الحيات التي تحاول الدخول من نوافذ الغرفة، تكاثرت أعداد الحيات التي تدخل و بدأ يتساقط منها دون أن يموت على يد الصفوف الأولى فتستقبله الصفوف الثانية لتذيقهم الندم، و في الخلفية صوت عواء الكلاب في الخارج التي مازالت تحاول الدخول .. تواصل القتال لما يقارب الساعتين متواصلين من قتل الحيات التي تملك إصرار غريب في الدخول من النوافذ و كأن أعدادها لا تنتهي، أصبحت جثث الثعابين المقتولة يتزايد تحت أرجل المقاتلين حتى صار من الممكن أن يقفوا عليها .. و بدون مقدمات اختفي صوت الكلاب التي تعوي في الخارج و توقفت عن نبش الباب بمخالبها، ثم انفتح الباب بقوة شديدة و اقتحم ناجي الغرفة و هو يرتدي زي غريب و كأنه لم يذهب لبلدته ليحضر بعض السلاح القديم و إنما رجع بالزمن ليحارب في جيش صلاح الدين، فقد كان يرتدي درع من الحديد على صدرة و رمح قوي من الحديد و يمسك درع مستطيل الشكل في يده الأخري قائلا لهم:

ــ وسعوا.

أفسح المقالين الطريق ودخل ناجي الغرفة ثم و بقوة بطل خارق ضرب الرمح في الأرض في منتصف الغرفة ليننغرس في أجساد جثث الثعابين ثم أخترق الأرض، ثم ثبت عليها الدرع المستطيل بمشبك حديدي من الأعلى و كأن الرمح و الدرع طقم مترابط ببعضه و مجهز لهذه الأفعال .. جلس ناجي القرفصاء تحت الدرع وضربه بكفة بقوة الدرع من طرفة فبدأ الدرع في الدوران بسرعة و بدأ ناجي يقول بعض الأشياء بصوت خافت.

وقف الجميع ينظرون لأفعال ناجي الغريبة و التي على اثرها بدأت الحيات في الانسحاب من النوافذ و تترك الغرفة هاربة، أستمر ناجي هكذا ما يقارب العشر دقائق حتى انتهي الخوف و فرغت الغرفة من الثعابين .. فوقف ناجي بشموخ و انتزع الرمح و الدرع من مكتنهم و التفت للمجندين قائلا بصرامة:

ــ جاهزين يا رجالة.

و يبدو مما شاهدوه هذه الليلة أن ما هو آت أصعب، و خارج حدود الإدراك و ما فعلة ناجي أمامهم الآن أشعرهم بمدي عدم منطقية الموقف القادم .. و الذي سيحمل الفصل الأخير.

أنتهى الجزء السادس
مع تحيات معتز حجازي.
في أنتظار أرآكم

الأربعاء، 2 مايو 2018

المعسكر 4




انصرف عمرو بعد التحية العسكرية و خرج من المكتب ليذهب للمسجد لصلاة المغرب جماعة .. نزل عمرو على ركبتيه ليخلع حذاءة فأمسكته يد من كتفه فنظر من أمسكه فوجده ناجي الأزهري قائلا:

ــ أنت بتعمل أيه؟

ــ هصلي.

ــ لأ انت هتصلي معايا في أخر جماعة و دي تعليمات عادل باشا رجلي على رجلك و أي حاجة غلط هتعملها هبلغه بيها.

أنقضت الست جماعات المغرب ودخلت الجماعة السابعة ، و قف ناجي الأزهري إمام للصلاة و كبر تكبيرة الإحرام و من خلفة عقد عمرو و الطحلاوي و محمود السباعي و آخرين سواعدهم بدئا للصلاة و هم متوسطين الصف الأول منتظرين أن يبدأ في قرآة الفاتحة جهراً و مر الوقت ببطء و لكن دون شئ.

الدقيقة الأولى، الثانية فالثالثة و لكن الأمر أصبح مللا للغايه و أقرب للهزل منه للصلاة، رفع عمرو رأسه متفحصا ناجي الأزهري و لكن وجده يقف شاخصا لأعلى و أذرعه بجانبه بدون حركة، ظل ينظر إليه و لكن ليس هناك جديد و ..

لمح عمرو أن جسد ناجي في بدأ في الأرتعاش، بدون تردد خرج عمرو من وضعية الصلاة و ذهب ليتفحص ناجي ففوجئ عمرو مصعوقا بحالة ناجي الأزهري الذي ينظر لأعلى متيبسا جسده كله و ضاغطا على أسنانه و ضروسه بقوة شديده حتى إن أصوات هذه الجز بدء في العلو ثم بدأت تنزل بعض قطرات الدم من بين أسنانه و عينيه تلونت باللون الأبيض لا تتوسطها دائراتنا السوداء و بدأ يزوم ناجي الأزهري بصوت عالي .. كل هذه و يقف أمامه عمرو عاجزا مشلولا .. لم يقف عمرو كثيرا حتى انضم له الطحلاوي و السباعي و البقية مذهولين مما يروه .

انقض الطحلاوي على فك ناجي الأزهري يحاول أن يفتحه عنوة خوفا من أن يهشم أسنانه إذا استمر على هذا الوضع قائلا:

ــ هاتولنا كوباية ماية نرشها عليه و لا حاجة.

بعد أقل من دقيقة رجع الغمري مسرعا يحضر كوب من الماء، و سلسة من قماش غريب معلقا بها عملة معدنية محفور عليها بعض الأشكال و الأحرف العربية، أخذ بعضهم في رش الماء على وجهه و علق الغمري السلسلة القماشية برقبة ناجي الذي أرقدوه أرضا و الغمري يقول:

ــ هو قالي البسه دي في أي موقف مش طبيعي ممكن يحصله.

ثم بدا في قرآة المعوذتين بصوت عالي و بترتيل جميل متقن وسط هذا الجو المليئ بالغموض و الضباب.

أستمر الوضع هكذا ما يقرب من الساعة حتى هدأ ناجي و رجعت عيناه لوضعها الطبيعي و ارتخي فكه على أسنانه، ارتكز ناجي على مرفقية محاولا رفع جزعه حتى نجح في ذلك بأعين مذهولة و أطراف مرتعشة نظر في الوجوه المحيطة حتي توقف بنظره عند عمرو ثم أشار إليه بأصبع مهتز و بصوت مرتعش سئل:

ــ أنت اسمك أيه؟؟!!

نظر عمرو حوله في استغراب ثم قال:

ــ أنا عمرو يا ناجي مالك؟؟ .

رد ناجي بصوت عالي:

ـــ أنا عااااارف .. أسمك عمرو أيه؟

الصمت عم المكان و بدأ المحيطين يلتفون لعمرو متسائلين، فلزم عمرو الصمت و لم يرد و إنما انعقد حاجباه في تحول لملامحه من البراءة للقوة و الغضب، فكرر ناجي:

ــ مبتردش ليهههههههه.

ــ أنا أسمي عمرو .. عمرو العاصي.


****


هدأ الموقف تماما و أستجمع ناجي الأزهري قواة و التف مجندون العنبر من حوله كأنهم في حلقة دراسية تاريخية كالتي كانت تقام في المساجد قديما، و بدأ ناجي الحديث:

ــ عشان أحكلكوا اللي حصل في المسجد و تفهموه، لازم تعرفوا الموضوع بدأ ازاي من الأصل.

تنهد ناجي تنهيدة حارة ثم أكمل:

ــ على عكس ما هو متوارث ان أبن آدم هو أول مخلوق عاقل وجد على وجه الأرض فإم قبل ابن آدم كان في قومين عيشين على الأرض قوم الحن و قوم البن – الحن بحرف ال ح – عاثوا في الأرض فسادا و اكثروا فيها الفساد و دارت بينهم خلافات ادت لنشوب حروب كبيرة ، فسلط عليهم ربنا قوم من الجن يقاتلونهم - و الجن دول في بعض الاجتهادات بتقول أنهم قبيلة من الملائكة و ميختلفوش عنهم – قاتلوا الحن و البن لسنين كادوا أن يفنهوهم و طردوا الشرذمة الباقية منهم في أطراف الأرض و البحار، و من بعدهم سكن الجن الأرض لكن تكررت نفس القصة مع الجن و اتقسموا جزء مؤمن و جزء كافر فأرسل الله عليهم الملائكة قاتلوا الكافرين منهم و طردوهم لقمم الجبال و و المناطق النائية التي لا يسكنها القوم القادم من بعدهم اللي هو احنا ابن آدم .. طبعا كل الإجتهادت دي كلها من بعض العلماء خلف الآية اللي بتقول ( أتجعل فيها من يفسد فيها و يسفك الدماء) و ده السؤال اللي كان من الملائكة لله و بينم على و جود تجربة قديمة فيها فساد و دماء و اللي فتح باب الإجتهاد و اللي علمة عند ربنا و محدش يعرف حقيقته غيرة.

سكت ناجي و نظر للجالسين أمامه محدقين ثم أكمل:

ــ و أنا داخل اصلي بيكوا و قبل ما أكمل تكبيرة الإحرام، كل حاجة اتغيرت من حوليه و لقيت نفسي واقف قدام واحد من الجن شكله الريس بتاعهم و واقف وارايا اربع افراد من الحن مصوبين ناحيتي رماحهم، محدش يسألني فرقت بينهم ازاي مين حن و مين جن لأن مفيش فرق واضح لكنهم عرفوني بطريقتهم، و على فكرة هما شبه البني ادمين في تكوينهم الجسماني و عندهم دم زينا بس محدش يعرف لونه أيه.

قاطعه الطحلاوي سائلا:

ــ انت عرفت الكلام ده كله منين يا جي؟!!!.

ــ تفتكر هما جايبني هنا ليه عشان ازهري و خلاص ؟؟ .. لأ ، لأني أنا و أهلي عارفين الكار ده من زمان و عارفين كل خباياة و نعرف نحمى الناس منه كويس، زي عمرو كده بالظبط.

التفت الجميع لعمرو ينظرون إليه نظرة أستفهام متفاجئين و هو يتبادل النظر معهم في صمت فأكمل ناجي:

ــ متقولهم أنت بتشتغل أيه و من نسل مين.

نظر عمرو أرضا في غضب معقود الحاجبين قائلا في هدوء:

ــ انا مبشتغلش مع أبويا و مبحبش الكار ده من زمان، بس أنا من نسلهم و اللي بيصيبهم لازم يصيبني .. زي ما باين من اسمي كده أنا اسمى عمرو العاصي من نسل الشيخ الجليل عمرو العاصي اللي كان واحد من خدام الصحابي الجليل عمرو بن العاص رضي الله عنه و اللي من كتر حبه فيه سمى نفسه على اسمه و سمى ابنه من بعده عاصي لتبدأ السلالة كلها بنفس الاسم، و كل أسامينا كده يا عمرو يا عاصي، يعني أنا اسمي عمرو و لازم اخلف ولد أسميه عاصي و هكذا.

رد ناجي:

ــ كمل بتشتغل ايه؟

ــ انا قولتلك مبشتغلش معاهم .. لكن أهلي هما اللي بيعرفوا يتعاملوا مع الجن و الحن و بيساعدوا الناس أنهم يخلصوهم من أي ضرر ممكن يجي عن طريقهم مش أكتر من كده.

نظر عمرو لناجي و سأله:

ــ لكن انت مقولتش ايه اللي حصل بعد ما لقيت نفسك قدام الجن و قالولك أيه؟!!

نظر ناجي لعيني عمرو نظرة طويله بغضب مما أخفاه عليه و على قائد المركز، و كيف رمي القدر هذا لشخص بالذات في هذا المركز الملبوس ليتم عليهم مصيبتهم الذين يعيشونها و متغافلين عن كل ما يدور .. ثم قال ناجي بعد أن خرج تلك الأفكار رأسه:

ــ عايزينك أنت يا عمرو.

و تجمد الموقف و الصورة تماما، لما تحمل طلبات الجن على لسان الناجي من معان خطيرة، تحمل في طياتها رائحة الدم الذي سينسال متدفقا و يعلم الله ما لذي يمكن أن يوقف هذا النزيف بين هذين العالمين.



انتهى الجزء الرابع

مع تحيات معتز حجازي.
للجزء الخامس أضغط على اللينك التالي

المعسكر 5









و تجمد الموقف و الصورة تماما، لما تحمل طلبات الجن على لسان الناجي من معان خطيرة، تحمل في طياتها رائحة الدم الذي سينسال متدفقا و يعلم الله ما لذي يمكن أن يوقف هذا النزيف بين هذين العالمين.

ــ عايزيني أنا؟

نطقها عمرو العاصى.

ــ آه .. هما عارفينك و عارفين نسلك كلهم واحد واحد و عايزينك عشان يوقفوا نسل العيلة بتعتك و ينتقموا لكل اللي حصلهم من أهلك و علمهم اللي ضر كتير منهم و اللي بسببهم أتفرق شملهم .. حظك إن الجن اللي هنا ده كان ليه تعامل قديم مع جدك و من ساعتها و هو هربان هنا و خايف يرجع لأهله، لغاية لما جه هنا و لقى كم واحد من الحن اللي سيطر عليهم و تزعمهم وعاش معاهم لغاية لما اشتغل المركز ده هنا بمجندينوا و عكننا عليهم عيشتهم و شاركناهم المكان لا ده بالعكس أحنا ضيقنا عليهم و فضلوا يعيشوا في الدور الخامس المقفول لغاية لما جيت أنت و قرروا أنهم يخرجوا من مكانهم عشان يخدوك .. أو بمعنى أوضح يقتلوك.

خيم الصمت على المكان وتناثرت الأفكار في أدمغة المجندين منهم من خاف و منهم من ارتعش و توقفت شعيرات جسده و منهم من ظل يلتفت حوله في قلق كأن هناك من يراقبهم أو يجلس معهم يسترق السمع لما يقولون حتى خرق الطحلاوي السكوت قائلا:

ــ طب احنا هنعمل أيه لعمرو دلوقتي يا ناجي باشا؟؟

رد ناجي:

ـــ هنروح أنا و عمرو نقعد مع الدميري باشا هنشوف هنعمل أيه في الورطة دي.


****


في غرفة الضابط عادل الدميري جلسوا ثلاثتهم صامتين بعد أن قص ناجي ما حدث في المسجد و طلب الجن في ترك عمرو لهم .. ثم قال عادل:

ــ ننزل عمرو إجازة مفتوحة .. او ننقله مركز ثاني.

رد ناجي:

ـــ لو هربناه من هنا مش هسيبونا في حالنا و ممكن يلبسوا أي حد و يهلوسونا.

عمرو:

ــ يهلوسونا؟!!!!

ــ آه عشان كده لما المبنى ده لما كان شغال من زمن طويل و كانوا بيجيبو فيهم ناس مجانين كانوا بيتجننوا أكتر لدرجة إن الناس اللي كانت شغاله هنا هي كمان كانت بتتهلوس .. لغاية لما سابو المكان و قفلوة، فا هيعملو فينا كده و يقضوا علينا كلنا.

الظابط عادل في سخرية : ممممممم .. هنعمل أيه يا عمرو باشا؟!!!

عمرو:

ـــ يا عادل باشا أنا عمري ما كنت أتوقع ان كل ده ممكن يحصل بسببي خصوصا إني متمرد و رافض عمل أبويا و أجدادي، لكن الأمر أمرك اللي تأمر بيه هعمله.

صمت عادل كثيرا و أغمض عينه بقوة ثم فتحهم و قال:

ــ مفيش قدامنا غير المواجهة، مينفعش نسيبلهم عمرو مهما كان التمن يا ناجي، و زي ما انت قولت لو هربناه ممكن يقضوا علينا كلنا .. لازم نواجه.

رد ناجي:

ــ أيوة يا عادل باشا بس دول حن و جن منقدرش نواجهم بأيدنا حتى الرصاص ميأثرش فيهم، العالم دي ليها أسلحة معينه.

قال عادل:

ــ أسلحة معينة أزاي؟!!!

ــ الفكرة مش في نوع السلاح .. لكن الأسلحة اللي بتقضي عليهم لازم يكون محفور عليها طلاسم قتل الجان.

رفع عمرو رأسه فجأه ينظر لناجي في تمعن كبير متفحصا أياه من أخمص قدميه حتى أطراف شعرة، حتى إن ناجي سأله:

ــ مالك يا عمرو؟

ــ لا مفيش بسمعمك .. طب و هنجيب الحاجات دي منين؟؟!!

ــ لو عادل باشا يسمحلي يوم أو يوم بليلة أورح أجيب كل اللي محتاجينه من البلد و آجي؟

نظر له الضابط عادل مترويا ثم هز رأسه بإيجاب موافقا ثم أكمل ناجي:

ــ و لغاية لما آجي لازم عنبر عمرو كله يبات برة المركز يا عادل باشا عشان ميجبوش الأذي للمركز بالكامل بعد ما عمرو فتحلهم سكة لما كان قالع السلسلة أنهم ينزلوا من الدور الخامس، و لأن المعسكر بتاعنا متحصن ضد الجن و ميقدرش يخرج منه لكن في نفس الوقت لما يلاقيهم بايتين برة يطمن رئيس الجن أنك لسة موجود.

عمرو في قلق:

ــ هنبات فين؟!!

ـــ هنفتحلكم أوضه من أوض التمركز الأمامي بيبقى فيها عشر سراير، نامو فيها لغاية لما أرجع و نشوف هيحصل أيه.

هز عمرو رأسه في أستسلام ثم قال الضابط عادل:

ــ ماشي يا ناجي بلغ الصول منصور بالترتيبات و أخلوا العنبر و أتحرك أنت مع شروق الشمس.

قام كل من عمرو و ناجي و أدوا التحية العسكرية ثم أنصرفوا و هم يخطو للخارج سويا أوقف ناجي الأزهري عمرو العاصي و قال:

ــ احنا هنعملكم إخلا من العنبر دلوقتي بس أنا لازم أقولك حاجة قبلها، البيات برة المركز الجن مش هيعدوه بالساهل أبدا، الجن مش هيعرفوا و انتوا برة يضروكوا لكن الجن دول ليهم أصحاب ممكن يخدموهم في أي وقت.

عمرو بذهول:

ــ أصحاب؟!!.

ــ لما إبليس كان عايز يخش الجنة لآدم و حوا عمل أيه؟؟!.

نظر له عمرو في أستفهام بدون أجابه فأجاب ناجي:

ـ دخل مع التعبان.

ــ أيوة ده إبليس يا ناجي؟؟

ـ إن أبليس كان من الجن يا عمرو .. التعابين أصحاب الجن و خدامهم فا لازم تعملوا نوة صحيان و الباقى نايمين و أنا هحاول أخرج معاك سلاح برده يمكن تحتاجه.

ــ سلاح أيه ياناجي هو احنا بنعرف نستخدمه؟؟

ـ آه صح .. خلاص أسلحة بيضه تنفع برده ..يلا بينا على الصول منصور عشان نبدأ نجهز.

بتردد قال له عمرو:

ـ طب بص أسبقني أنت و أنا هروح أخش الحمام أتوضأ عشان صلاة العشاء و أحصلك على العنبر.

ـ طيب ماشي متتأخرش.

تفرق كل منهم في طريق مختلف و بين كل لحظة و أخرى ينظر عمرو خلفه ليتأكد أن ناجي قد أبتعد عن مرمى بصرة ثم غير طريقة ليذهب لمكان آخر غير الحمام كما أخبر ناجي الأزهري، و يبدو ان عمرو سوف يفعل شئ خارج نطاق الخطة الموضوعة.


أنتهى الجزء الخامس 
مع تحيات معتز حجازي
للجزء السادس دوس عاللينك.
https://cattib.blogspot.com.eg/2018/05/6.html


المعسكر 6 .. الأخيرة

قرب نهاية الليل و قبل بزوغ الشمس بحوالي ساعتين و أكثر .. وقفت الفصيلة على شكل طوابير منتظمة الشكل في أبعد أركان باحة مركز التدريب، متكوم ...