إستيقظت.
راقدة على هذا المرتبة المتهالكة المقطعة، لم تفتح
عينيها، إستيقظت و لكنها لا تريد أن تبصر واقعها الأليم، يكفي إنها تعلمه
بوجدانها.
إستجابة لقدرها، فتحت عينيها تنظر للسقف، لا تريد أن
يمضي الوقت و إنما يتوقف، فهي تخاف مما قد يأتي بعد الثانية الحالية، قامت بجذعها
تنظر يمينا و يسارا لأولادها الذين يتناثرون في الغرفة، سواء يرقدون على السرير أو
بجبانبها أرضا .. الحياة أصبحت صعبة للغاية بعد أن فقدته، بالرغم كل من حولها من لكنها
تريده هو فقط.
مكثت في بيتها لفترة ليست بالقصيرة بعد وفاته، نفذ ما
معها من أموال و تريد المزيد لتطعم من حولها .. غسلت وجهها و توضئت لتصلي، صلت
ركتعين، إرتدت عباءتها السوداء التي لا تملك غيرها للخروج من المنزل، بحثت بعينها
لتبحث عن بوكها الفارغ لعلها ترجع به ممتللأ بالمال، وجدته، فتحت الباب و خرجت تسير
في طرقات الله ذاهبة للناس الذين تعمل لديهم .. سمعت من يناديها، نظرت له أو لها
فوجدت من قال لها بعض الكلملت منبها إياها، نظرت لقمديها و جدتهم حفاة لا ترتدي أي
حذاءء أو حتى جورب، رفعت رأسها للسماء كأنها تنظر لشيئا ما، ثم رجعت للبيت مرة أخرى
ترتدي أي شء لديها يرتقى لشكل الحذاء. ذهبت في طريقها تمشي منحنية الظهر .. حملت
كثيرا من الهموم الثقيلة أقوى من تماسك غضاريف ظهرها .. فإنحنت.
وصلت لمحطة
أتوبيس، ليست محطة أتوبيس فعليا و إنما الناس تقف هنا تنتظر الحافلات فصنعوا من
هذا المكان محطة أتوبيس .. وقفت وسط حشود الناس الذين ينتظرون ما يناسيهم من
مواصلات يركبونها، وقفت مترقبة وجدت إتوبيس مناسبا لتركبه، إستعدت لتركب الاتوبيس،
أمسكت العباءة من عند ركبتها للتحكم فيها عند الركض، وصلت الحافلة امامها و لكن دون
ان تتوقف فقط مهدئة سرعتها، جرت مهرولة و سط الزحام، إندست وسط مجموعة من الناس و
هي تجري، وضعت قدمها اليسرى على أول درجات سلم الحافلة و لكن فجأة و جدت من ينزل
عكس إتجاة صعودها من الحافلة و هي تسير ، لم يتمكن هذا النازل من تفاديها فإصطدم
بها و وقعا سويا من الحافلة السائرة، وقعت على ظهرها لتتدحرج مرتين على أرض رطبة
بالمياة المختلطة بتراب الأرض .. كل خلية من جسدها تئن من الألم، إتسخت ملابسها من
طين الأرض و إنزلق الحذاء من قدمها ليتركها حافية.
تجمعت الأناس حولها يساعدوها لتقوم، نساء تمسك بيديها و
رجل أتى بحذائها يعطيه لها ، هناك من طبطب عليها مواسيا إياها و هناك من إطمئن
عليها بسؤال .. لا تقدر على الكلام من ألم السقطة فترد عليهم فقط بإيمأة من رأسها،
تركوها الناس بعد برهة .. وجدت الرصيف خلفها فجلست عليه ترتدي حذائها ثم رفعت عينيها
للسماء و هي مملؤة بدموع الهم حمراء من كبت الظلم و بحركة لا إرادية رفعت يدها هي
الأخرى للسماء و قالت بصوت عالي:
ـــ يـــــــــــــاارب.
بقت على هذه الحالة بُريهة من الوقت ثم سندت على ركبتها
لتقوم، وجدت نفس الأتوبيس الذي مر سابقا يمر ثانية و لكنه فارغ قليلا عن غير ذي
سابق .. توقف الأتوبيس تماما، ركبت تفحصت الكراسي بعينها لم تجد كراسي فارغة و لكن
الاتوبيس لم يكن فيه شخص واقف فقط هي.
وقفت صامته تنظر لوجوه البشر كل سارح في ملكوته فهناك
شاب ينظر من نافذة الأتوبيس، مراهق يضع سماعات في إذنيه، كهل يمسك بوكية من الوردو
هو مبتسم سعيد، إمراة عجوز صامتة، رجل يحمل صخور من الهم على كاهلة ينظر للأسفل، شابة
تجلس بجوار النافذة يرفرف شعرها من الهواء تمسك كتاب تقرأة، الكمسري يضحك مع
السواق .. الشئ الوحيد المشترك ما بين كل هؤلاء الناس أنهم يهربوا من واقعهم
المؤلم حتى و إن كان واقعهم الأليم هذا هو ركوبهم هذا اللأتوبيس المتهالك الذي لا
يرقى لإستخدام الحيوانات الأليفة و لكنهم في النهاية لا يريدون ما هم فية الآن.
هذا الشاب ينظر للشارع من النافذة يشغل تفكيرة بما يراه
و يقرأه على اللافتات حتى لا يفكر فيما هو ذاهب إليه.
هذه الشابة تقرأ شيئا لتعيش في عالم من الأحلام الزائفة
في بداية عمرها الذي نعتقد إنه سيكون مزدهر.
ناهيك عن هذا المراهق الذي يسمع موسيقى في أذنية وحده
لأنه سئم ما يسمع حولة من قاذورات.
و الرجل الذي ينظر لأسفل الذي مر على كل أبواب الحزن أخذ
منها نصيبه و لم يحن وقت فتح أبواب السعادة في حياته القصيرة.
و الكهل الذي يمسك بوكيه الورد يبدو سعيدا لأنه في نهاية
حياته فضمن أن لن يكون أسوأ مما كان.
قاطع أفكارها الحزينة هذا الكهل و هو يقوم من كرسيه يستعد
لينزل، فحمدت الله، لتجلس مكانه بجوار هذه الشابة .. تقدمت خطوتين لتقف بالقرب من
كرسي العجوز لتجلس حين يقوم.
قام العجوز من مكانه ببطئ ثم إلتفت إليها و هو مازال
مبتسم ثم مد ذراعة التي تمسك بالورد الجميل ناحيتها و يقول بصوت مرتعش بطئ:
ـــ إتفضلي يا بنتي .. الورد ده ليكي.
أمسكت الورد بحركة تلقائية و هي تنظر لترتيبه و ألوانه الزاهية
و بأصابعها تداعب أطراف أوراق الورد ثم تمسك ورقة أخرى تتحسس نعومتها، فورقة
الورده هذه أنعم شئ تحسسته أناملها طول عمرها البائس .. تذكرت إنها تريد أن تشكر
هذا العجوز على فعلة، رفعت رأسها عن الورد فوجدته نزل من الأتوبيس نظرت بعينها
يمينا و شمال تبحث عن نافذه تشكره منها، وجدتها، تحركت ناحيتها ثم أخرجت رأسها من
النافذه لتصيح عليه شاكرة و لكن لسانها عجز عن الكلام فالمكان الذي يذهب إليه
العجوز جعلها تفكر في كل شئ في حياتها مجددا مرارا و تكرارا .. وجدت هذا الرجل
العجوز يخطو بخطى بطيئة متأكا على عصا ليدخل المقابر.
أدخلت رأسها مجددا من النافذة و هي تمسك بوكية الورد،
رمت جسدها على الكرسي و رفعت بوكيه الورد مرة أخرى تنظر إليه مرة أخرى فهذا الورد
أسرها للغاية .. لفت نظرها ورقة مطوية داخل البوكية فأخرجتها بإصبعيها، فتحتها
وجدت مكتوب بداخلها.
أنا معاكي عالطول.
تمت
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق