في اليوم التالي
أتي (أحمد) بحقائبة، سكن الشقة في الدور الخامس في المقابل من الشقه الأخرى
الساكنة، أثاث بسيط نظيف و حديث تحتوي علي كل المستلزمات الأساسية، أخذ نظرة سريعة
على الغرف و الأثاث ،أبدى (أحمد) إعجابه
لعم (عبده) بالشقة،و لكن مازال ينتابه بعض القلق من هذا العجوز و من نظام التأجير
الغريب الذي يتبعه.
مرت الأيام عادية
تحمل الروتين في طياتها،كاعادة الروتين أقوى من أي شئ، لم يحدث أي شئ في الايام
التالية يدعو للقلق، دخل الإطمنان بعد الروتين خصوصا لأنه تقريبا السكون يخيم على
كل شئ حتى هذا العم (عبده) جالس في مكانه معظم الوقت مثله مثل العمارة القديمة و
المنطقة المحيطه لا يتحرك شئ سوى ذرات الرمال، يذهب لعملة من الأحد للخميس الذي
جاء له مؤقتا، و يسافر إلى بلدته يوم
الخميس و يرجع السبت ليلا و هكذا هكذا.
الشهر الأول.
الشهر الثاني.
في أحد أيام
الأسبوع، أرتدى (أحمد) ملابسه و حذاءه ، لملم مفاتيحة و أشياءه الخاصة، فتح الباب،
خرج، أغلق الباب خلفه، إتجه للسلم لينزل، ثم توقف، أدار رأسه ناحية الشقه المقابلة
لشقته الذي يسكنها أحد ما، و لكنه لا يتذكر أن رأى أحداً في العمارة غيرة و عم
(عبده) فقط، إقترب من باب هذه الشقة، وضع أذنه على الباب ليسمع أي صوت في الداخل،
أنتظر قليلا و لكن بلا أمل، لم يجد أي نفع، الصمت فقط.
ترك الشقة و نزل،
خرج من باب العمارة، و جد عم (عبده) جالسا نفس الجلسة الذي تركه عليها منذ شهرين،
حتي وقف أمامه و قال:
- صباح الخير يا
عم (عبده) .
رد عم (عبده) دون
أن يلتفت إليه:
- صباح الخير يا
أستاذ أحمد.
– بقولك أيه يا عم
(عبده) أنت متأكد في حد ساكن في الشقة اللي جنبي.
أدار
رأسه ناحية (احمد) و قال:
- كيف متأكد يعني؟
- أصل بقالي شهرين في العمارة و مشفتش حد طالع
أو نازل أو أي حاجه.
– الست (حسنا) في حالها و أنا في حالي و أنت
كمان مفروض تكون في حالك.
– (حسنا)؟!! هي ست اللي ساكنة؟
- تفرج أمعاك؟
- لأ ... بس انت مقولتش قبل كده.
– أنا أصلا مجولتش حاجة.
نظر إليه (أحمد)
نظرة طويلة و سأله مجددا:
- لحسن تكون ماتت؟
أدار رأسه للأمام مجددا:
- لو ماتت هنشم
ريحتها.
أحس (أحمد) بشئ
غريب من ردود فعل هذا العجوز، و ترددت الجملة في تلافيف مخة مرات عديده ( لو ماتت
هنشم ريحتها) و كأنه يعرف شئ ما يريد أن يخفيه.
هل قتل الساكن و
دفنه بداخلها؟
هل يوجد ساكن من
الأساس بداخل الشقة؟
من المؤكد أن هناك
شئ ما متعلق بهذه الشقة.
تركه (أحمد) و ركب
سيارته و إنطلق، رأسه تحمل طنا من الأفكار المتضاربة يسترجع الأحداث بداية من أول
مدة التأجير، ظاهرياً لا يوجد شئ يدعو للقلق، فقط ردود هذا الرجل العجوزالغير
آدميه التي تدعو دائما للتفكير و القلق، لكنه لن يعير هذا الأمر إنتباهه، سوف ينجز
ما أتي له من العمل و يترك هذا المكان للأبد.
الشهر الثالث.
الشهر الرابع.
الشهر الخامس.
الشهر السادس.
اليوم قبل الأخير في الشهر السادس ثم نهاية مدة
الأيجار و من بعدها الرحيل.
خرج (أحمد) من
شقته و أغلق الباب بالمفتاح، التفت و جد ثلاثة براميل مملؤه بالمياه ،نزل بعنينيه
و جد طرف خرطوم ملقى على الأرض على بداية السلم إلى نهاية سام العمارة في الدور
الأرضي.
نزل درجات السلم
سريعا، وجد عم (عبده) في نفس المكان إتجه ناحيته و سأله:
- صباح الخير يا
عم (عبده)، هي أيه البراميل اللي فوق دي و الخرطوم ده.
رد عم (عبده)
بلهجة تدل عل عدم رغبته في الإجابة:
- هغسل السلم.
– أنت بتغسله كل 6
شهور؟، أنت مغسلتوش قبل كده؟
- بغسله لما صحتي بتجبني.
سئم (أحمد) هذه
الردود الغامضه، بهذه الطريقة الفظه، تركه دون أن يلقي عليه أي نوع من أنواع
التحية و ذهب لعمله.
كما هي عادته، رجع
متأخرا من نفس اليوم من عمله، وضع سيارته، نزل منها، دخل العمارة ، و قف أمام أول
درجه من درجات السلم، مازال الخرطوم مكانه ملقي على السلم حيث تركه صباحا، صعد
السلم وصل للدور الخامس الذي يسكن فيه ، ثم وقف.
و قف ينظر
للبراميل الذين تركهم في الصباح، مازالو في نفس المكان، الثلاثة مملوئين تماما، و
كانهم كائنات حية، تحرك ناحية باب شقته و عينه ثابته عليهم و كأنهم سيتحركوا من
أماكنهم، ينظر إليهم و ينظر لباب الشقة المقابلة، ثم فتخ باب شقته بالمفتاح و دخل
بسرعة.
دخل بسرعة علي غرفته،
فتح حقيبته و ضع فيها جميع أغراضه، و ضبط المنبه على الفجر ليمشي من هذه العمارة
الغامضه، حتى و إن لم يبلغ عم (عبده) إنه راحل و إن كان (أحمد) يعتقد انه لا يحتاج
أن يبلغه، دخل السرير بنفس ملابس العمل، ثم دخل في النوم.
أستيقظ (أحمد) في
حوالي الساعة الرابعة صباحاً ،على جلبة في الخارح و أصوات غريبة، حرك أنفه و كأنه يشم رائحة
غير معتاده، و بعد لحيظات، حدد ما هية هذه الرائحة، إنها رائحة حريق، في سرعة نزل من على السرير، إرتدى
حذائه و تحرك للباب، فتحه.
وجد لهب طويل من
النار يخرج من شقة (حسنا) هذه، وعم (عبده) يقف يرش هذه النيران بالخرطوم و علامات
الإرهاق على وجهه،كان خالعا جلبابه مرتديا هذا الزي المميز، السروال الأبيض و الفانلة
البيضاء ذات الصيدري منه في ، حافيا.
تحرك (أحمد)
ليساعده، دخل الشقة، ثم خرج و هو يهرول حاملا في يده هذا الطبق البلاستيك الكبير الذي
يطلق عليه – طشط-.
يملأ الطشط بالماء
من البراميل و يقذف داخل الشقه المستعرة بالنيران، و رويدا رويدا هو و عم (عبده)
حاصروالنيران من الخارج للداخل ، إلى أن أطفئوها عن بكرة أبيها، وقف كلاهما و هو
متعب، يلتقطوا أنفاسهم، سند (أحمد) بيديه على ركيته ثم سأل العجوز الذي يقف بجانبه:
- أمال فين (حسنا) دي، حتي في الحريق مش بتظهر؟.
رد عليه (عبده)
بصوت مبحوح من الإرهاق:
- نزلت، أول ما الحريجه ولعت ندهتلي و جريت على
تحت.
رفع (أحمد) ظهره
بعد أن كان ساند على ركبتيه:
- عامة ده آخر يوم
ليا في الإيجار، أنا هاخش أغير هدومي و أعدي عليك أسلمك المفتاح و أتكل على الله.
- مفيس مشكلة أنا
مستنيك تحت.
خرجوا هما الإثنان
من باب الشقة و كل ذهب في طريقه، دخل (أحمد) شقته، غير ملابسه و قفل حقيبته و خرج
من الشقه ثم أغلقها جيدا بالمفتاح.
تحرك ناحية السلم،
ثم وقف، ظهرت فكرة بأن يدخل الشقة المحروقة يلقي نظرة، إنه الفضول الإنساني الذي
يسعى لمعرفة كل ما هو غير مباح، حتي وإن كان يعلم إنه لن يستفيد شيئا من وراء هذا.
تطورت الفكرة، من
فكره لقرار يحرك به أطرافه.
تحرك ببطء، أزاح
باب الشقة المهترء، وقف ينظر للشقه المحترقة صالتها، يمينا و يسارا، ثم صوتاً
أنثوي للغاية يأتي من داخل غرف الشقة
المحروقه:
- ياللي برا ...
ياللي برا ... ممكن تيجي.
فرد (أحمد) و هو
يمد رقبته لينظر و يحدد مصدر الصوت:
- أستاذة (حسنا)؟
- ممكن تيجي أنا
جوا في الأوضة و عايزه حد يساعدني و (عبده) ميبردش.
تحسس (أحمد)
الطريق بقدميه و هو يتحرك في إتجاه صدور الصوت، وجد باب غرفة مقفل ماعدا جزء صغير،
أزاحه بكفه ببطء، و جد أمامه حسناء شقراء
تجلس على سرير، ترتدي ملابس منزل تدل على إنها تعيش بمفردها فلا تهتم أن تخبئ
أجزاء مهمه من جسدها عن الآخرين.
وقف في مكانه ينظر
إليها، لا يعرف ماذا يفعل أو يقول، و لكنها فعلا إمرأه تخطف لب أي رجل فقط بجمالها
الساحر، قاطعة (حسنا) أفكارة المتردده:
- ممكن تقرب عليا؟
أبتلع (أحمد) ريقه
و يرد:
- ليه؟
- أصل لما الحريقة قامت، جيت أجري، رجلي اتلوت و
أنا نازله من على السرير، بعد إذنك قرب بقه.
ثم فردت ذراعها
إشارة أن يأتي، تقدم (أحمد) خطوتين للأمام، أمسك كفها و جلس على طرف السرير ينظر
لعينيها الزرقاء زرقة المحيط في أعمق أجزاءه، حركت شفتيها:
- ممكن تضمني ليك و تلف دراعك حوليا؟
رد (أحمد) مستسلما:
-ليه؟
- عشان تسندني و أنا بقوم.
و كأن الرد أقنعه
فوضع كفيه علي قفصها الصدري من جانب جسدها ثم بدأ يلف ذراعه حولها و جسده يقترب من
جسدها حتي أحتضنا بعض كلا منهما الآخر و بشكل تلقائي لا يعرف أسبابه، وضع رأسه على
كتفها و فعلت هي المثل و ضعت رأسها ذات الشعر الأصفر على كتفه.
أغمض عينيه، ذهب
بخياله للمناطفق المحرمه و هذه المناطق المحرمه فيها من التفاصيل التي لا تروي و
لا تسمن جوع، فقط تزيد صاحبها ظمئا و جوعا.
ثم أقتحم ضميره مناطقه
المحرمه و أفاقه مما هو فيه، فقرر أن يرجع عما يفعله الأن ففتح عينيه و دفع (حسنا)
بعيدا عنه، و نظر حوله فوجد نفسه يجلس في صالة شقته و لم يخرج منها بعد أن غير
ملابسه بعد أن أطفئ الحريق مع عم (عبده)، جلس مشدوها من قوة الحلم الذي كان يحلمه،
و لكن هل كان هذا حلما؟.
يتبع ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق