الثلاثاء، 31 يناير 2017

شقة إيجار جديد (1-3)





في زهراء المعادي.
في أطرافها.
عند بداية الصحراء.
بناية قديمة وسط هذا العمران الجديد المستشري من حولها.
ورجل عجوز في حوالي الخمسينيات من العمر يجلس تحتها، يجلس علي هذا المصطبة الخشبية واضعاً يديه على هذه العصا – الذي يسميها النبوت - الخشبية ناظرا أمامه، يبدو كالتمثال، لا زمن يشيخه و لا مكان ينقل إليه بصره، فقط ناظرا أمامه في الفراغ المستمر و يستمتع بالصمت الدائم.

من آخر الشارع لاحت سيارة ، قادمة في تأن و حرص تعرف من النظرة الأولى أن صاحبها يبحث عن شئ ما حوله في البنايات المحيطة، يضع سيارته أمام بناية من البنايات، يترجل من سيارته و يتكلم مع حارسها، يسئله عن شىء ما ثم يتركه ذاهبا للبناية المجاورة،  ليعيد الكرة في بناية تلو الأخرى.

 إلى أن وصل إلي آخر بناية في الشارع عند هذا الرجل العجوز الصامت و وقف أمامه ثم قال:
- سلاموا عليكو.

ظل العجوز واضعا ذقنه على يديه على رأس النبوت، نظر بعينيه إلي القادم، فوجد شاب في مقتبل العمر و اقفا أمامه حليق الوجه يرتدي قميص و سروال من الجينز و حذاء بني ضخم، فرد عليه بهدوء ممل و بلهجة صعيدية واضحة:
- و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته.

سأله الشاب بصوت واثق:
- لو سمحت أنا بدور علي شقة للإيجار في المنطقة هنا، عندك في العمارة هنا حاجة فاضية للإيجار.
رد عليه العجوز في إقتضاب واضح دون أن ينظر للشاب:
 - كام شهر؟
- كام شهر أيه ياحج ... هو أنا جي زيارة ، بقولك إيجار يعني مش اقل من سنة.
- يبجى معندناش.
نظر إليه الشاب في إندهاش منفعل و قال:
 -  طب يا حج كام شهر و تأجر؟، عشان أنا بلف من الصبح و مستعجل.

بدأ يقوم من على المصطبة الخشبية بنفس البطء المتناسق مع رتم كلامه و رد:
 – طب مدام أنت مستعجل عايز تأجر سنة ليه، ما كفاية 6 شهور وده أكتر حاجة عندينا ممكن أأجرهالك، و يكون في معلومك دي مفروشه.

تسلل الملل إلى الشاب حتى ظهر على ملامحة و هو يرد:
 - أه يا حج ما أنا بدور على مفروش أصلاً.

أدار العجوز ظهره للشاب و سار في إتجاه مدخل البناية بنفس البطء و قال:
 - أسم الكريم أيه؟.
 - (أحمد) يا حاج.
– طيب أجعد أستريح على ما أجيب العجود من جوة.
 – عجود أيه  يا حج مش لما أقعد مع صاحب الشقة الأول، و نتكلم في المده و السعر.
وقف العجوز الغريب مكانة دون أن يلتفت وأسند ذراعه للحائط و كأنه يلتقط أنفاسه، قائلاً لأحمد:
 - أنا صاحب العمارة.

ثم تحرك لداخل البناية ليأتي بعقود الإيجار تاركا (أحمد) في حيرة كبيرة، مستغرقا في أفكارة، عجوز غريب الأطوار، كيف يكون صاحب العمارة و جالس على باب بوابتها كحراس العمائر حتى هيئته البالية لا تدل على ملكة لأي شىء، يخشى يكون نصابا أو شرك لأي شىء غير محسوب حسابه، بدأ يفكر أن يهرب من هذا المكان و يبحث عن شقة في مكان آخر من هذه المنطقة ولكنه قرر أن ينتظر هذا العجوز ليري أي شىء آخر ينفره من هذا المكان.

خرج العجوز من بوابة البناية في خطوات بطيئة يحمل في يمينة منضدة صغيرة و في يساره يحمل عقد مطبوع مسبقا، جلس على المصطبة الخشبية، واضها المنضده أمامه ، وضع عيها العقد، أخرج قلم جاف من داخل جلبابه و ناداه:
 - تعال يا أستاذ أحمد، إتفضل أجعد، أنت لساتك واجف ليه.

تقدم أحمد في خطوات مترقبة تشوبها بعض القلق و الخوف المبهم، نظر حوله إلي أعلى يمينا و يسارا، ثم جلس بجوار العجوز و سأله:
- إسمك أيه يا حج.
رد علية العجوز في إقتضاب و هو منهمك في ملئ فراغات بنود العقد:
-  عبده، عايز تسكن في أنهي دور.
 – الشقة اللي فاضية في الدور الكام.
– العمارة كلها فاضية ماعدا الخامس، شجة تسعة ساكنة.
(أحمد) في ذهول: العمارة كلها فاضية؟!!!.
رفع (عبده) رأسه ناظرا ل(أحمد) بوجه كالصخر، بعد أن فرغ من ملئ البيانات ماعدا تلك الخاصة ببنود المستأجر، و لم يرد.

فأستطرد (أحمد): مادام العمارة كلها فاضية و أنت صاحب العمارة، مش عايز تأجرهالي ليه أكتر من 6 شهور؟
نظر إليه (عبده)  بنظرة ثابتة صارمة حازمة و رد:
 - أنا نظام تأجيري أكده، العمارات كلها جدامك ممكن تبص تاني و تشوف.
- طيب ماشي 6 شهور 6 شهور ، و لم يخلصوا يأما أكون خلصت شغل في القاهرة،  يأما أدور في حتة تانية، و بتاخد كام في الشهر؟
- مش هنختلف.
- إن شاء الله منختلفش طبعا، كام يعني؟
- أنا باخذ 400 في الشهر.

إتسعت حدقتا (أحمد) قليلا، و تقافزت الأفكار الشيطانية مجددا، صاحب عمارة يجلس وحيدا يحرسها و جميع الشقق فارغة ما عدا شقة واحدة، يأجرها بحد أقصى 6 شهور بهذا السعر الزهيد، ة لكنه فعلا سعر قليل سيوفر كثيرا بسببه و من الممكن أن أحاول بعد ذلك معه أن يمد لي مدة الإيجار.

 فسأله سؤال لعله يستشف منه أي شئ:
 - بس 400 ده غير كل الناس اللي بيأجروا حواليك.
- أنا بأجر بسعر جليل عشان أنا بشطرط مده معينه عالزبون، أصل الحج حج ياأستاذ (أحمد)، مجولتليش هتاخد أنهي شجة؟
- اللي في الخامس، جمب اللي ساكنة، ونس برده بدل الهو اللي أحنا فية ده، هاستلم أمتى؟
- من دلوك لو حبيت.
ردد (أحمد) في نفسه: دلوك!!! .. ده طالع من مسلسل طازة.
ثم رد علية بصوت واضح:
- لأ إن شاء الله هاجي بكرة عشان مش معايا شنطة هدومي.
- تيجي بالسلامة.

يتبع...

  



السبت، 21 يناير 2017

عكس إتجاه 3




وقف (سالم) أمام العمارة مدهوشا لا يعرف كيف اتى إلى هنا و لا متي ينظر عن يمنيه و عن يساره، يبدو المكان مألوفا و لكن لا يذكره جيدا، لا يعرف متى دخل هذا المكان إلى خلا يا ذاكرته، نظر إلي بوابة العمارة ، و جد صوت داخلة لا يعرف ما هيتة يدفعة للدخول، دفع باب بوابة العمارة بقوة، كان ثقيلا للغاية حتي إنه بعد أن فتحة وجد نفسه يلهث من إرهاق شديد، نزل على ركبتية لكي يستريح قليلا، ولكن وقت مكوثه على قد طال،الإضاءه كانت لم تكن كافية ليري كل التفاصيل من حوله قرر أن يقف على قدمية لم يعرف، نظر عن يمينه وجد هناك مسند معدني يبرز من الحائط ذهب إليه زاحفا في خطوتين وصل إليه، رفع يده و أمسك به ليرفع جسده و ضع يده الأخرى، عافر كثيرا ليقف على قدمية، نظر أمام ليجد سلم، ذهب إليه و هو ممسك هذا المسند يخطو خطوة خطوة، ترك المسند و وضع قدمية على أول سلمة كانت قدمه ثقيلة للغاية، لا يعرف لماذا و لكن كان بداخلة هذا الاصرار الطفولي الذي يجعلك تقدم على ما لا تعرفة رغبة في المعرفة فقط، ، وضع يده على الدرابزين ليساعده على مقاومة وهنه و أخذ يصعد سلمة سلمة، تسللت بعض القوة إلى قدمية فضرب الدرابزين بيده و صعد بمفرده بدون اللجوء اليه، و علي مرمي البصر و أن هذا الدرابزين قد إنتهى و لا يكمل معه السلم، لا يتذكر كم طابق صعد، حوالي إثنين أو ثلاثة، صعد آخر بدون الدرابزين ثم و جد قوته زادت فصعد أسرع و بدأ يلحظ أن عرض السلمة يقل، كلما صعد يقل، حتي إنه كلما  يصعد أكثر قوته تزيد و الخوف يتسلل إليه أكثر فأكثر، أصبح عرض السلمة صغير للغاية حى بات يضع قدمية فقط و الرجوع للخلف أصبح دربا من المستحيل، أكمل صعوده في حذر شديد و نظر إلى الطلبق أعلاه و جد باب، على ما يبدو أنه الطابق الأخير، وصل إليه، و جد مقبض، أمسكه و أداره للأسفل فواجهه صعوبة و لكن مع بعض القوة أمكنة يفتحة، دفعه بكتفه، و دخل خطوة، سمع أصوات كمثل زجاج يتهشم، نظر للأسفل، وجد نفسه وضع قدميه على زجاج هشمه بهما، رفع رأسه أمامه مجدداً وجد نفسه أمام فراغ غير محدود لا يعلم عنه شئ ... 

-                             - يا أستاذ يا أستاذ ... يا أستاذ.
تسلل الصوت إلى أذني (سالم)  تدريجيا رفع رأسه ليوقظه من غفلته، رفع رأسه ليجد شخص على ما يبدو أنه يعمل في المستشفى فرد علية:
- نعم.
نظر إلية الدكتور نظرة تعاطف لما رآه على و جهه من هم و حزن و قال: 
- البقاء لله ... الحج تعيش أنت.


خرج (سالم) من هذه الفتحه الصغيرة في الأرض الذي لا يتمنى أحد أن ينزلها محمولا أو حاملا .. المدفن، بقدمية العاريتين، و نفض يديه من التراب مكان أثر و ضعه على جده و لبس حذاءه و دخل في أحضان بعض الأقارب الذين لم يرهم منذ سنين ثم و قف في أول صف صنعوه ليأخذو عزاء قليل من اناس الذين حضروا، إلى أن سلم عليه آخر المعزيين و كان رجل شيخ و قال له:
 - سلاموا عليكو ... البقاء لله ... المرحوم كان عزيز عليه أوي و الله.
فرد عليه (سالم) شارداً:
- و نعم بالله ... حضرتك صاحبه؟
 - أنا عم (محمد) صاحب الكشك اللي على ناصية الشارع اللي وراكوا.
 – آه ، إزي حضرتك، و صحتك عاملة؟
 - بخير، زي ما أنت شايف، الحمد لله على كل شئ.
 – شد حيلك، جدك كان سيبلي جواب ليك موصيني أدهولك و دي أمانة يا بني لازم أوصلها.
رد (سالم) عاقداً حاجبيه:
 - جواب؟
- آه، جدك كان حاسس أنه هيموت، فاسبلك الجواب ده.

ثم وضع عم (محمد) يده في جيبه ثم أخرجها ممسكه لجواب، ثم مد يده ليعطيه لسالم.
أخذ (سالم) الجواب بلهفة، مزق الغلاف في سرعة، أخرج ورقة الخطاب و فتحة ثم بدأ يقرأ.

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
بعد التحية،
بحكم سنى و ما مررت به من خبرات أعلم جيدا أن الإنسان في مرحلة من مراحل عمره يسوقه القدر ليبقى وحيدا، و لكني أعتقد أن قدري كان قاسيا علي بعض الشئ لأنني تعديت مرحلة الوحدة بكثير، لقد وصلت لمرحل اللا وجود، هل تعلم ما الفرق بين الوجود و اللا وجود؟.
الوجود أن تلمس الأشياء من حولك فقط ، أما اللا وجود أن لا تمارس حواسك الخمس مع كائن مثلك، حتي اني فقدت فطرة حب البقاء، كنت اتونس بالحشرات من حولي و أتكلم معهم.

لن أسترسل كثيرا في كلامي، فأنني أعلم جيدا أن كلامي لن يؤثر كثيرا فيك لا أريده أن يؤثر فيك فأنا ميت الآن.

بالنسبة لأموال أبيك الذي كنت تريدني أن أموت لتورثها، فكما تعلم أن الشقة بإسمك أما باقي أموالك و العقارت فقد تركتها و بعتها لعم (محمد) الذي الذي ترك لك هذا الخطاب فقد كام نعم الونيس في آخر أيامي، عليك أن تعامل عم (محمد) المعاملة التي كان من المفترض أن تعاملنني إيها و هو ضميرة متى يرد لك أموالك.

و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته. 


تمت.


الثلاثاء، 17 يناير 2017

عكس إتجاه 2




كان (سالم) يقف حاملا جده بين يديه ينظر إلى مكان السيارة، و لكن لم يكن جده فقط الشىء الذي يحملة و إنما هناك أطنان من الأفكار تحملها رأسه و تزداد ثقلاً مع كل لحظه تمر عليه، هناك صوت يعلو مع كل لحظه – فلتتخاذل، إتركه يموت، لن يعيش أكثر مما عاش، لن يفعل أكثر مما فعل.
كان هذا الصوت وصل لأقصاه عندما نظر للمكان الذي وضع فيه السيارة عند مطلع الجراج حيث وجد هناك من ترك سيارتة بالعرض خلف سيارته مانعا عنه أي فرصة للخروج بسيارته.
فرصتك.
ربنا بيقولك سيبه.
إفرض كنت إتأخرت شوية، ما هو كان مات لوحدة.
أستهبل و سيبة مش هتبقى غلطان.

(سولي) فيه آيه خير... إنت شايل جدك كده ليه هوتعبان؟
هكذا قاطع (بيسو) أفكار (سالم) بصرخته عندما رأى (بيسو) (سالم) حاملاً جده و هو ثابت في مكانة بدون حراك، نظر إليه (سالم) بنظرة خاوية بدون أي تأثر يحدق به.

صرخ فيه (بيسو) مرة ثانية: يابني أنت متنح كده ليه، عربيتك مقفول عليها مش هتعرف تتحرك و مش هتلاقي تاكسي يركبك و أنت شايل جدك كده، أنا هروح أحيب عربيت و أوديك المستشفى.

أشار إليه (سالم) بالإيجاب بإيماءة من رأسة.

جري (بيسو) ناحية سيارته ليركبها، ثم أتى بسيارته و توقف أمام (سالم): - يلا أفتح الباب و حط جدك ورا و تعالى انت قدام.

تحرك (سالم) ببطء غير مقصود و كأن هذه الأفكار مازالت تداعبه و لكنه غير قادر على إتخاذ القرار بل على عكس أفكاره يبدو أن الأقدار أتت في صالح جده وأتي (بيسو) ليوصلهم إلى أقرب مستشفى لينقذ جده و يعيش أكثر مما عاش و ينتظره (سالم) أكثر مما انتظر، سيترك نفسه للأقدار و لن يحرك دفته.
   
قاطعة (بيسو) بصوته العالي مرة أخرى: يلا يابني وصلنا، أتحرك.

نظر إليه (سالم) مصدوم و كأن بيت خرب أوصلته بفولت كهرباء عال فجأة راداً عليه و هو يفتح باب السيارة بصوت مرتعش: حاضر حاضر.

حمل جده بين يديه و أسرع الخطى ناحية مدخل طواريء المستشفى، نظر إلي جده و هو يخطو بسرعة و صوت نفسة يعلو و يهبط و تحدث إليه:
 - آيه يا جدو هتعملها و لاناوي علي آيه.
و كأن جده ينتظر هذا السؤال، ففتح عينية مسافة نصف سنتيمتر و رد عليه بصوت مبحوح:
 - آه ... ه ع ملهاا.

إنقض عليه إثنان من الدكاترة و الممرضين حملا جده منه و وضعوه على نقالة بسرعة وخفة محترفين و دخلا غرفة من غرف الطواريء، و لكن(سالم) كان يقف مكانة غير مصدق ما حدث من جده فهو لم بلق هذا السؤال ليسمع رد إنه كان فقط يحدث نفسه، و لكن ما حدث جعلة يفكر في أشياء لم يفكر بها من قبل.

هل كان يعرف إنني أريده أن يموت لأرث مال أبي.

وإن كان يعرف لماذا كان يعاملني بطيبة، الأنني حفيده فقط.

و إن كان يعتقد إنني أتمنى له حب البقاء كما يتمنى لي، ماذا كان يفعل و أنا تاركه وحده بالأيام.

ماذا  كان يفعل في هذه الأيام وحيداً و جميع من يعرفهم أصبحوا تراباً تحت التراب.

دخل المستشفى جاراُ قدمية الثقيله، وجد على يمينه سلم فأستسلم لقدميه و جسده و أفكاره و طرح نفسة على أول درجة سلم، وضع رأسه بين ركبتيه، لا يسمع من حوله و لا يرى من نزل من جانبه كان أو صاعداً، حتي (بيسو) أتى أمامه يحدثه و يشير إليه بعض الأشارات و لكنه لم يكن يسمعه.

لقد توقف به الوقت و كأنه دخل في شق صغير داخل جدار الزمن لم يعد يهتم، لم يعد يريد، لم يعد حتى أن لا يريد، لقد إنتبه إنه أصبح مثل جده، كل من كان لهم صلة دم به أصبحوا في جيوب الأرض، إذا خرج من المنزل من الممكن أن لا يرجع لأن ليس هناك من ينتظره، ليس من المهم أن يشتري طعاما لأنه ليس هناك من يأكل، سوف يصبح وحيداُ كما كان يتمنى دائما، يصادق أثاث المنزل و يتكلم مع حوائطه، لن يتذكر جده كثيراً لأنه كما تركه كثيرا و هو حي سيتركه جده و حيداً في ذكريات فارغة و هو ميت.

أخذ الندم ينشع على حوائط أفكارة و من ثم تسلل النوم إلى عينعه، فترك نفسه للنوم و هو جالس على السلم هاربا من واقعه.

لم ينم (سالم) كثيرا أو هكذا شعر، فتح جفنيه بوهن نظر إلى أعلى فوجد السماء، أدار رأسه يمينا فوجد الشارع ثم أدارها يسارا فوجد أمامه عمارة من ستة طوابق تقريبا، فأسند ذراعية على الأرض ليقوم بعد أن وجد نفسه مستلقيا على الأرض فحدث نفسه مستغربأُ:

أنا فين. 



يتبع...



الاثنين، 9 يناير 2017

عكس إتجاه





"نفسي الاقي مكان اركن فيه بسهولة".

قالها (سالم) في حنق و هو يقود سيارته النظيفة ، (سالم) شاب في الثلاثنيات من عمرة يبدو علية الاناقة المبالغ فيها يرتدي نظارة الشمس واضعا في معصم يده كثير من هذه الاشياء التي تسمى – الحظاظات – طالق لحيته مهذبه للغاية ذو شعر ناعم و كأن رسام محترف هو من صففه ، يبحث يمينا و يسارا بعينيه ليجد مكانا مناسبا يركن فيه سيارته، في نهاية الامر لم يجد مكان مناسب بعد عدد من اللف في شارعة ، قرر أن يضع السيارة على مطلع الجراج الخاص بعمارته ، و لكن قبل أن أن يذهب إلى الجراج لفت نظره شئ في خارج السيارة ففتح نافذته و رفع يده قائلا:

 - (بيسو) حبيب قلبي عامل أيه ، فينك يا عم؟!
رد علية المدعو بيسو بترحاب و إبسامة واضحه:
 - (سولي) واحشني أوي اركن و تعالى مستنيك .
 – حاضر جايلك أهو.

ثم تمتم محدثا نفسه بصوت خافت و هو يركن السياره على مطلع الجراج: هيقعد يرغي ة يصدعني و انا عايز اطلع.
ترجل من سيارته و ذهب ل(بيسو) وكررا السلام مرة أخرى و لكن هذه المرة بالأيدي و القبلات ثم ركن (سالم) وسطه على مؤخرة سياره في الشارع و أخرج علبة السجائر من جيبه الأيمن و أشعل سيجارة بولاعته الذهبية ثم وضع يده اليمني فجيبه و أمسك السيجارة بيده اليسرى ثم بدأ الحديث:

 - فينك يا عم مختفي بقالك فترة.
رد علية (بيسو) و هو يعتلي وجهة ملامح من الإرهاق :
- مفيش أمي كانت تعبانة شوبة و بقالي كام يوم في المستشفى معاها.
  لأ الف سلامة عليها و تمام دلوقتي و لا لسة تعبانة ؟
 - الله يسلمك ، الحمد لله  بتتحسن ، سيبك أنت من الموضوع ده ، قولي أخبارك أيه و جدك عامل أيه لسه بيفحتك؟

رد عليه سالم و هو ينفخ:
- أه يا عم مطلع عيني، حاجة تقرف ، لسة كان بعاتني أجيبلة المعاش من البنك في اخر الدنيا.

 – معلش يا عم ربنا يخلهولك – مبتسما

أنتفض (سالم ) فجأة و هو يرد:
 - لا أبوس إيدك مبحبش الدعوة دي ربنا هيخلي أيه أكتر من كده الراجل داخل على ال 95 قول مثلا ربنا يحسن خاتمته ، ربنا يفنكره ، ده صحته ما شاء الله بمب و لا حتى بدأ ينسى أي حاجة.

ضحك بيسو من أسلوب سالم و هو يرد:
- أيه يا عم فيه أيه ... أيه الكره ده.

 – لأ مش هو مش كرة بس أنا داخل على الأربعين و لسة مختش ورث أبويا لغاية دلوقتي ، عايز أعيش حياتي شوية.
– أبوك بصراحة عمل معاك السليمة أول ما لقاك عيل بايز كده كتب كل حاجه لجدك و فنيخك و جدك نفسه مش معرفك أي حاجة.

نفث (سالم) دخان سيجارته و هو ينظر لأعلى:
 - شفت يا عم و في الأخر تقولي ربنا يخلهولك ، سيبني في حالي ، يلا أنا هطلع بقى، سلام.
 – طب ما تقف شوية مالك مستعجل ليه.
 – يا عم أنا كنت واقف معاك لغاية ما الاقي  مكان يفضى و أركن فيه العربية.
 – براحتك يا عم سولي يلا سلام .

ترك (سالم) (بيسو) و ذهب ليصعد سلم العمارة ومن ثم دخل المصعد دفع الباب بكتفه ، أخرج المفاتيح من جيبه وضعها في الباب ، فتح الباب وضع النظارة و المحفظة و مفاتيح السيارة و السجائر والولاعة علىمنضده بالقرب من الباب.
شقة واسعة بها أثاث بسيط ، تلفزيون حديث ، يبدو من الوان الحائط  الباهتة قدم هذه الشقة و عدم الإكتراث بتنظيفها.
صاح (سالم) مناديا على جده:
- جدو انت فين ، جدو ، جبتلك المعاش يا جدو.
بدأ يتحرك (سالم) ناحية الغرفة ، وضع يده على مقبض باب الغرفة  و فتحها و هو ينادي :
 _ جدو أنت نايم ، جبتلك المعاش  ؟، مش عوايدك تنام كل ده
دخل علية فوجد جده ، نائم بالفعل بلا حراك و تكلم بصوت عالي:
 - جدو هتصحى دلوقتي و لا لأ أنا جبتلك المعاش ، يا جدو؟
وضع يده على كتفه بقلق بدأ يعتلي ملامحة و هو يهزه هزات خفيفة :
-  جدو جدو جدو .

و لكن جده لم يستيقظ و لم يتحرك.

توسعت حدقتا عيني (سالم) في محجريهما، تداخلت و تزاحمت الافكار داخل رأسه، هل مات ؟ ، سأرث الان؟ هعيش حياتي بقى؟.

قرر أن يتأكد أكثر نزل برأسه على صدر جده ليسمع دقات قلبة ثم رفع رأسه فجأه مصدومأ محدثاً نفسه:
ده لسه عايش أمال بيصحاش ليه ، أسيبه يموت ؟، و لا ألحقه و يمكن يعيش؟ ، مش ده هيبقى نصيبة ؟.


أغمض عينيه في تألم واضح ثم حسم هذا الصراع، وضع يديه تحت جسد جده و حملة و سار خارجا من الشقة متجها ناحية باب المصعد ثم نزل به الدور الأخير ثم ضرب الباب بقدميه  ليفتحه بعد أن أستقر ،خرج منه مسرعا، نزل سلم بوابة العماره ، رفع رأسه لينظر على مكان السيارة ثم تسمر مكانه واقفا حاملا جده من تأثير الصدمه من ما رآه عند مكان سيارته.


يتبع...
























المعسكر 6 .. الأخيرة

قرب نهاية الليل و قبل بزوغ الشمس بحوالي ساعتين و أكثر .. وقفت الفصيلة على شكل طوابير منتظمة الشكل في أبعد أركان باحة مركز التدريب، متكوم ...