نزل (أحمد) درجات
السلم حاملا حقيبته، خرج من العمارة ، نظر لعم (عبده) مجهدا، وجده جالسا على المصطبة
محني ظهره ناظرا في الأرض، إتجه (أحمد) ناحية (عبده) في خطوات بطيئة و قال:
- سلاموا عليكوا يا عم عبده، أتفضل المفتاح.
أخرج المفتاح من
جيب سرواله ماددا ذاراعه اليه ليعطيه المفتاح.
تجاهل عم (عبده) يده
الممدودهو قال:
- تعال اجعد جنبي في كلام لازم أجولهولك جبل ما
تمشي.
و كأنه ينتظر هذا
الطلب فقد كان يريد أن يرتاح قليلا ،جلس بجواره و رد عليه:
- خير يا عم
(عبده).
أنا من الصعيد زي
منتا شايف اكده، كنت عايش في الصعيد مع أهلي، أبويا كان باني العمارة دي من سنين،
كانت ساعتها في الصحراء، و كان بيت دور واحد ، بعد كده زودنا الأربع أدوار دول
عشان يبجى شبه البيوت اللي حواليه دي، أبويا في اول العشرينات لبسته جنية و بدأ
يعمل حاجات غريبه، جتل أخويا الكبير، حرج بتنا .. محدش عرف أن لبسته جنية غير لما
جتل أخويا و حرج ، ساعتها جابلو شيوخ كتير ... 3 سنين بيدوروا لغاية لما لاجلو
واحد سوداني عرف حل للي عنده و قالنا أنه راكباه جنية مغربية بس كان عشان يطلعها
لازم يطلعها في مكان بعيد عن البلد، عشان متلبسش حد تاني من أهل البلد خصوصا إن
الجنية دي غريبة مش أي حد من المنطجه يعرف دي أيه و لو هو مات مش هنلاجي حد تاني
غيره يطلعها و لو عرفت تهرب بعد ما يموت متلاجيش غير الصحرا.
قاطعه (أحمد): هي
الجن في البلد عندكوا عادي و عارفين أنواعه؟
تجاهله عم (عبده)
و أكمل: جه أبويا و هو ملبوس و الشيخ السوداني على أهنه، و طلعوا الجنية في الشجه
و حبسوها فيها والشيخ حصن الشجه و العمارة، و بعدين كل سنة يجي حد منينا يجعد في
العمارة سنه، أنا و إخواتي السبعة.
قال (أحمد): يعني
أنت بتيجي هنا كل ست سنين على مل بيجي عليك الدور ؟
- أيوة.
(أحمد): أنت
بتحكيلي كل ده دلوقتي ليه.
(عبده): ده جانونا
، لازم أحكي للساكن الجديد كل حاجة جبل ما يمشي عشان متيجش هنا تاني أو تبعت حد
تعرفه يسكن هنا، لازم اللي يسكن ميعرفش حد سكن هنا قبل كده.
(أحمد): طب و كل
اللي انت حاكيته ده لي علاقة بأنك بتأجر الشقه 6 شهور؟
(عبده): لو جعدت
أكتر من 6 شهور، هتشك فيا و ممكن تبلغ عني أو تعملي أي مشكله، 6 شهور اجصى مده.
(أحمد):هو أنت كنت عارف إن الشقه هتتحرق؟
(عبده): طبعا كنت
عارف، هي على طول بتعمل أكده، قبل ما الساكن ما يمشي بيوم بتحرج الشجة عشان اللي
ساكن يخشلها يلحجها فا تلبسه.
(أحمد): طب هي مش
بتلبسك ليه أو مش بتخرج لوحدها ليه؟
(عبده):الشجة
متحصنة هي و العمارة متعرفش تخرج، و أنا زي ما أنت شايف أنا جاعد برة أكده على طول
عشان مش هتعرف تخرجلي، و أوضتي بره العماره، بخش العمارة بس لما بتيجي تحرج الشجة.
(أحمد): هي أزاي
لما خرجتوها أول مرة من أبوك خرجتوها في الدور الأول عشان انتوا كنتوا لسه ما
بنتوش الأربع أداور التانية و هي دلوقتي في الخامس.
(عبده): دي جصة
يطول شرحها ملكش صالح بيها.
(أحمد): و تسكنوا
ليه حد من الأساس، ما تسيبوها لوحدها.
(عبده): لو جعدت
كتير لوحدها، تولف على المكان و اصحابها يعرفو طريجها و يجولها، و العمارة كلها
تتسكن و لو العمارة اتسكنت ممكن ينجلو للعمارة اللي جمبيها.
سكت كل منهما،
سرحوا في أفكارهم، (أحمد) ظل يتذكر أنه كان يقطن بجوار عفريته و إنه كان في خطر
دائم بسبب قصة ليس له فيها ناقة و لا جمل، و عم (عبده) يتذكر المرات االعديده التي
قضاها هنا بجوار العمارة ينتظر أفعال (حسنا) ليبطلها و هذا السيناريو المكرر في كل
مرة الذي ضيع فيه سنين من عمره.
هزهز (عبده) رأسه
يمينا و يسارا و كأنه ينثر هذا الأفكار القديمه من رأسه، ثم مد ذراعه يمسك
المفاتيح من يد (أحمد) و أخذها، و لكنه أحس شيئا غريبا في يد (أحمد) فرفع عينيه و
سأله:
- أنت بتشتغل أيه يا أستاذ (أحمد)؟
- شغال في
شركة مقاولات، ليه بتسأل؟
- أصل إيدك ناعمه جوي و ضوافرك طويله كيف
الحريم.
رفع (أحمد) كفيه
أمام وجهه ليراهم و يرى ما يدعيه عم (عبده)، عقد حاجيبه حتي التصقا ببعضهما و قال
في صوت مرتعش :
-أيه ده، دي مش إدياا
قام (عبده) من
جلسته، أدخل يده في جيب سترته من الداخل أخرج فرد – مسدس – و رفعه بطول ذراعه مصوبا
إياه في إتجاه (أحمد) و قال بصوت عالي و صارم:
- جوم فز، يعني
أيه مش إيديك ؟ ... انت دخلت الشجة بعض ما طفنا الولعة؟
قام (أحمد) من
جلسته خائفا من المسدس المصوب لصدرة و قال في تقطع :
- أنا أنا مدخلتش
الشقه، بس أنا أنا حلمت إني دخلتها.
- حلمت بأيه ؟ ...
جول أنطق.
– أنا حلمت إني دخ دخلت الشقه و في واحده ندهتلي
حض حض حضنتها و لما صحيت لقيت نفسي لسه في شق شقتي مخرجتش منها.
– أنت حلجت دجنك الصبح؟
صرخ بصوت عالي و هو يضرب يده بوجهه و يتحسسه و
يصرخ:
- أيه ده ، أنا عمر ما كانت دقني ناعمة كده.
أشار (عبده) بيده
و هو مصوب بمسدسه لأحمد ة يقول بصوت جهوري:
- أمشي جدامي ، خش العمارة.
– ليه أخش العمارة؟
تحرك (أحمد) راجعا
بظهره للخلف أمام المسدس حتي دخل العمارة.
- جولتلك خش، و
خليني أكملك الحكاية بجى، (حسنا) بتحرج الشقه في آخر يوم اللي ساكن فيه هيمشي عشان
اللي ساكن يخش يلحجها و تلبسه و يخرج بيها من هنا، عشان المكان متحصن و متعرفش
تخرج منه غير و هي لبسه حد، و واضح إنها لبستك و بدأ يبان على جتتك أهو ... خش جوة
بجولك ... أنا مش عايزك تخاف أنا مش هسيبك.
نظر (أحمد) في
عيني (عبده) و لاحظ هذا التعاطف و قال :
- أنت هتعمل أيه يا عم (عبده).
- هروح أجيب اللي
يلحجك.
أمسك باب العمارة
بيديه التي فيها السدس و بيده الأخرى مفتاح باب العمارة،و أغلق الباب.
تمت.