السبت، 8 يوليو 2017

فطرة عين 1


مدينة أنترلاكن السويسرية تقع بين بحيرة برينز في الشرق و بحيرة ثون من الغرب ترتفع عن سطح البحر ما يقارب النصف كيلو متر، ذات طبيعة خلابة أخاذة للأنظار ، جبال خضراء، سماء زرقاء، هواء لا يحمل غير النقاء و صوت الطبيعة من حولك يسرسب داخل وجدانك الصفاء كما هي السماء.. مدينة سياحية للغاية، فنادق منتشرة في أرجاء المدينة و منها الأكواخ المنفصلة المنفردة المتناثرة من مكان لآخر لتوفر لقاطنيها الاسترخاء و الهدوء.

توقفت سيارة ذات دفع رباعي على طريق ترابي ممهد بين الأشجار على صخور التلال و الهضاب أمام أحد الأكواخ المفندقة المجهزة، فهذه الأكواخ تكون ذات شكل بدائي من الخارج و تكون من الداخل مجهزة بأحدث التقنيات الفندقية التي توفر ما لا يوجد في مكان آخر و خصوصا عندما يكون المقيم شخصية مهمة كالتي مستأجرة هذه الغرفة.

نزل السائق من السيارة مرتديا - يونيفورم – الفندق، يفتح الباب الخلفي للزائر ثم يذهب لينزل حقائبه من السيارة .. نزل الزائر- المهم - مرتديا تي شيرت يبضاء و عليها قميص بني مفتوح و بنطلون جينس مع بوت بني اللون، شخص يميل للنحافة طويل غير مهتم بتهذيب شعرة الناعم يرتدي ساعة رياضية من نوعية جي شوك الرياضية ..أخذ ينظر حولة يستنشق الهواء بقوة من أنفه مغمضا عينيه ويخرج الزفير بقوة من فمه و كأنه يريد أن يملأ رئتيه بهذا الهواء الذي لن يجد مثله ثانية.

أحضر السائق الحقائب من السيارة و فتح باب الكوخ بالمفتاح – كنوع من الرجوع للبدائية – و أدخل الحقائب، ثم ودع الزائر و خرج و ركب سيارته و انطلق بها.

وقف هذا الشاب في و سط الكوخ أو الغرفة يتفحصها بعينيه، فتح أحد الحقائب أخرج التاب الخاص به و اوصله بواي فاي الغرفة و جلس يتفحص بعض الإيملات و يرد على بعضها، ثم بعد دقائق معدوده تذكر أنه أتى هنا ليبتعد عن عمله و حياته العملية فهو لم يأخذ أجازة طويلة من أربع سنين ، فصل الواي فاي و أغلق التاب ثم أخرج بعض الكتب التي أحضرها معه و أخرج ملابسه ليضعها في مكانها المخصص .. فتح باب الشرفة وجد أمامه منطر كان دائما يحلم أن يراه ، وجد أمامه الجبال كما طلب تماما و ليس البحيرات فهو طلب أن يكون الكوخ مطلا على الجبال و ليس البحيرات فالجبال الخضراء الا متناهية أفضل بالنسبة إليه .. غير ملابسه ثم اخرج كرسي ليضعه في الشرفه و يشغل موسيقى من التاب الذي أوصله بسماعات منتشرة في ارجاء الكوخ و أحضر احد الكتب و أخذ في القراءة بنهم افتقده منذ فترة طويلة.

أخذ يأكل الكتب بعينيه و كأنها  كانت جوعى إلى ان امتلأت فأصابتها التخمة فتثاقلت جفونه حتى نام دون قصد منه ، لا يعلم كم من الوقت ظل نائما و لكنه فتح عينيه مستيقظا وجد الشمس ترحل فأحضر موبايله مسرعا من الغرفة ليتقط سيلفي مع خلفية الجبال الخضراء و بواقي أشعة الشمس البرتقالية فألتقط صورتان متتاليتان ثم تفحصهم فوجد الخلفية كأنها مهتزة في الصورتان، التقط صورتان أخريتان و تفحصهم وجد نفس العيب .. تعجب للغاية فهو يحمل أحدث تقنية في الموبايلات ذات الكاميرات الأمامية و من تعجبه نظر للجبال من خلفه و كأنه سيعرف سبب اهتزاز الصورة بعينيه المجرده و لكنه لم يجد شيئا طبعا، أخذ صورة أخرى و تفخصها وجد نفس المشكلة .. قلب شفتيه ثم ارجع المشكلة للموبايل حتما خصوصا انه ابتاعه قبل أن يسافر من أمريكا مباشرة ليتمتع بكاميرا ذات مواصافات خاصة ولكن لعل الموبايل مصاب بعطب ما.

حل الليل .. أوقد الشموع في جميع أرجاء الكوخ ( الكوخ يتمتع بمصابيح كهربائية) و لكنه فضل التعامل ببدائية لينفصل عن واقع مل منه ..  قام بتحضير العشاء و جلس يتناوله على أضواء الشموع المهتزة و بعض من تسلسل نور القمر المريح كل هذا في وسط موسيقى هادئة، بعد العشاء فضل أن ينام في الشرفة وسط هذه الأجواء الخضراء.

طرقت رنات المنبه اذنيه، فتح عينيه في كسل، لم يشعر بهذه الراحة من قبل، جلس مكانه ثم نظر لأعلى وجد الشمس قاربت على الوصول من رحلتها، قام من مكانه يرتدي نفس ملابسه و أحضر موبايله، قرر أن يذهب لأعلى التل ليأخذ صور مع شروق الشمس و لكن في الجهة المقابلة للجبال لتكون البحيرة من خلفة .. انطلق مسرعا على الزرع الاخضر يجري من هنا و يقفز من هناك حتى صعد هذا التل الصغير ثم اعطى البحيرة ظهرة وقام بالتقاط صورتان سيلفي مع قرص الشمس و البحيرة، تفحص الصورتان و جدهما في قمة النقاء و الوضوخ بدون أي اهتزازات انعفد حاجباه للغاية و رفع بصرة ينظر للجبال في استغراب واضح.

رجع كوخه و انهى فطور سريع مع كوب كابتشينو ساخن و جلس يقرأ في الشرفة مجددا ثم بعد فترة، خطر له أن يخرج شواية الفحم الملحقة بالغرفة و يشوي بعض من الدجاج خارج الكوخ امام منظر الجبال الممتع حتى و أن كان الوقت غير مناسب، و أيضا ليس لغرض الأكل و لكن لمتعة الشوي نفسه و يسترجع ايام قد خلت .. لم ينتظر كثيرا أحضر الشواية و كرسيا و اخرجهم خارج الكوخ أمام الشرفة و خلع حذاءه و بدء أن يوقد الفحم .
و في أثناء ما و هو يوقد الفحم، نظر للجبال الذي يجلس امامها نظرة طويلة و أخرج الموبايل من جيبة و التقط صورة للجبال من الكامبرا الخلفية ثم تفحص الصورة وجدها مهتزة في نفس المناطق التي كانت تقريبا مهتزه في الصورة السليفي التي التقطها ليلة البارحة، و كان هذا شئ يصعب أن يعقله أو أن يقنع نفسه به أن الكاميرا الخلفية من الممكن ان تكون مصابة بعطل ما خصوصا انه تأكد أن الكاميرا الامامية سليمة عندما التقط سيلفي مع شروق الشمس صباحا ..  ما هذا؟

وضع الموبايل في جيبه، متجاهلا الأفكار التي اخذت تتقافز لذهنة و أقنع نفسه بتفاهتها، صعد السلم الذي يربط الخارج بالشرفة و دخل الغرفة ليأتي ببعض الأطباق للشوي و بينما هو يحضر بعض الأطباق سمع بعض الجلبة في الخارج، اقتحم الخوف نفسه فترك الاطباق مكانها و تسلل ببطء للخارج لينظر ما هو مصدر الصوت، وصل للشرفة و نظر للخارج و لكنه وجد كل شئ كما هو تفحص المكان ثانية بعينيه و دخل مرة ثانية ليحضر الأطباق ثم .. سمع صوت الجلبة مرة ثانية فأسرع للشرفة ثانية، وصل للشرفة وجد كلب قد أسقط الكرسي - الذي كان أخرجه ليجلس عليه اثناء الشوي - و قبض الكلب على حذائه بأسنانه و وقف ينظر له ، نظر الشاب له في ذهول متفاجئ، ثم تقدم ببطئ لينزل من الشرفة، نزل من الشرفة و يقترب من الكلب في بطء ليقترب منه فالكلب جميل تختلط الوانه الثلاثة (الاسود و البني و الأبيض) ببعض ليصنع تحفة ربانية تستحق الأقتراب منها و يتأملها .. و لكن بمجرد أقترابه منه جري الكلب و مازال الحذاء في فمه فأنتقل الشاب من المشى البطيء للجري خلف الكلب، ركض وراءه ثم بعد فترة من الركض انهك من التعب فتوقف ليلتقط أنفاسه، نظر يبحث عن الكلب و هل ابتعد أم لا، فوجد الكلب توقف بعيدا ينظر إليه و كأنه ينتظره، تعجب الشاب قليلا و لكنه أكمل ركض خلف الكلب، و عادت الكرة أكثر من مرة كلما بلغة التعب و وقف يلتقط أنفاسه وقف الكلب ينتظره ... ابتعد كثيرا الشاب عن كوخة عندما نظر للخلف و اكتشف ذلك و اصبح مترددا أن يكمل ركض خلف الكلب أم لا، نظر أمامه وجد الكلب واقفا تاركا الحذاء أرضا، فسار الشاب ناحيته و هو منهك القوى من الجري .. اخذ يقترب من الكلب و لكن الكلب لم يهرب ظل واقفا، و الشاب يقترب و يقترب حتى وصل أمام الكلب مباشرة نزل على ركبتيه القرفصاءحتى أصبحت عينيه في عيني الكلب، مد يده ببطء ليلتقط حذاءه أحس ببعض التنميل في ذراعه و هو يمسك الحذاء، التقطه، قام من قرفصائه يمسك حذائه و ينظر للكلب ثم سمع صوت أجش يقول :

ــــ أهلا بك في بلادنا.

التفت خلفه مفزوعا و لكنه لم يجد شيئا، رجع ينظر للكلب مرة ثانية ثم سمع نفس الصوت ثانية:

ـــــ لا تفزع .. أنه أنا (راكى).

و اتسعت عينا الشاب حتى باتت عينيه تخرج من محجريهما و رجع للخلف في توتر حتى سقط على ظهرة من هول المفأجأة.


يتبع بالجزء الثاني


مع تحيات .. معتز حجازي

المعسكر 6 .. الأخيرة

قرب نهاية الليل و قبل بزوغ الشمس بحوالي ساعتين و أكثر .. وقفت الفصيلة على شكل طوابير منتظمة الشكل في أبعد أركان باحة مركز التدريب، متكوم ...