الأحد، 14 مايو 2017

الغرفة 1

الغرفة.
الغرفة صغيرة مربعة ذات أربع حوائط، مقفرة في مكوناتها، الحائط الأول يتوسطه باب للدخول، الحائط اليميني يستند علية مكتب صغير قديم، يقابل المكتب يسار الباب حائط تركن إليه أريكة خشبية عليها مرتبة أسفنجية خفيفة تعلوها نافذة يتخللها قضبان حديدية بشكل عمودي، و الحائط المقابل للباب يخفي وراءة حمام بدون باب.

فُتح الباب بعنف شديد، دفُع أحد الأشخاص بعنف أكبر كاد أن يقع أرضا و لكنه تمالك نفسه و لم يقع، شخص يبدو أنه كان مهندم في فترة من فترات اليوم مغمم العينين كانت تربطه كلابشات إنتزعت من يده قبل أن يدفغه أحد ما ليجبره على دخول الغرفة ثم يغلق الباب من خلفة.

انه (كوستا) -كما يطلق عليه أصدقائة- وقف لدقيقة ينظر حوله و هو مرتدي الغمامة ينظر في الظلام يمينا و يسارا مرتبكا خائفا سهي عليه أن الأصفاد نزعت من يديه حتى أدرك هذا بعد دقيقة فنزع الغمامة من على عينيه لينظر مرة أخرى حوله في توتر متسارع، وجد المكتب ذهب إليه ليتفحصه ملحق به درجان فتحهما في قوة وجدهما فارغين، وقعت عينيه على الأريكة المقابلة للمكتب، ذهب إليها في سرعة و صعد فوقها ثم أمسك قضبان النافذة العمودية الحديدية و نظر خارج النافذة لم يجد إلا أشجار كثيفة متشابكة في بيئة ريفية مألوفة له، صرخ في يأس يشوبه الأمل:

ــــ إلحقونيييي إلحقونيييييي، يا نااااااس ، ياللي هنااااااا.

ثم صمت كوستا و لم يرد عليه سوى صمت الفراغ و حركة الأشجار، أخذ كوستا يتفحص المكان في الخارج ثانية بعينيه فلم يجد شيئا، نزل ليجلس على الأريكه ماحيا أي أمل من رأسه مستسلما لما آلت إليه الأمور.   

(كوستا) مهندس بسيط تخرج في كلية الهندسة يعمل في مجاله ما يقارب العشر سنين، تزوج حديثا، يعمل جاهدا ليلا مع نهار كحال طبقة كبيرة من المصريين.

 نظر حوله مجددا غير مصدق ما وصلت إليه الأمور في هذه الغرفة الكيئبة الضيقة و قف فوق الأريكة مجددا يتفحص المكان في الخارج و لكنه لم يجد ما يستحق أن يبذل من أجله مجهود، جلس مرة أخري ينظر أمامه في اللا شئ يرجع بذاكراته للخلف لأنه لم يجد ما يفعله غير ذلك فهو قليل الحيلة من أن يواجهه هذا الموقف،و أن يتعامل مع ناس كهؤلاء، فكوستا أقصى إمكانته أن يقف بجانب أحبائه في مشاجرات في الشارع،  أن يفاصل مع البائعين على جميع مستوياتهم لكن أن يصل الأمر أن يخطتف على يد أناس يبدو عليهم الأحتراف فهذا أكبر من حتى أن يفكر في أن يهرب، أرجع رأسه للخلف ساندا على الحائط ليتذكر كيف بدأ كل شئ و كيف سار.

في نفس اليوم، الحادية عشر صباحا.

في أحد المولات الكبيرة في مدينة نصر – سيتي ستارز- كان يتمشي كوستا مع زوجته يتنزهون ينظروا للمحلات، يدخلوا بعضها و البعض الاخر لا يفكروا أن يدخلوها من سمعتها في غلو أسعارها، خرجوا من أحد المحال و قال كوستا لزوجته في ملل:

ــــ عايزين نقعد في كافيه نشرب حاجة قبل معاد السينما أنا زهقت من اللف ده.

ردت زوجته لينا في تحايل طفولي مصطنع:

ــــ طب ممكن أخش هنا بس، آخر محل والله.

ـــــ عايزة تخشي زارا يا لينا أنت بتهرجي، تعالي بس و بعد السينما هوديكي شارع بطرس غالي نجبلك كل حاجة نفسك فيها.

نظرت إليه في إحباط و قالت:

ــــ هتفرج على حاجة بسرعة مش هتأخر، إسبقني على ستار بكس و أنا هجيلك على هناك.

نظر إليها كوستا مفكرا ثم قرر أن يوافق فهو يعلم إنها لن تشتري شيئا فرد عليها:

ــــ طيب هاسبقك أنا، و أنت خلصي و تعاللي نقعد شوية لغاية معاد الفيلم.

ـــــ ماشي.

ثم بدون تردد تركته و دخلت زارا،  و كوستا بدأ الخطى ذاهبا لستاربكس، أخرج الموبايل من جيبه، يفتح قائمة الأسماء يبحث فيها عن صديق يكلمه، فبعد عشر سنين من التخرج و الأنشغال بمتاهات الحياة أصبح من يكلمهم قليلين للغاية، فكل تاه في متاهاته الخاصة و نادرا ما تتشابك المتاهات في منطقة مشتركة بينهم، أخذ يقلب في القائمة صعودا و نزولا إلي أن إرتطم بإسم (شريف) صديقه من أيام الجامعه تربطهم ببعض علاقة قوية يسئلون على بعض قليلا و لكنه يدرك ان الحب و الود مازالا موجودين، كان كوستا إتصل بشريف منذ فترة ليست بعيدة، فقرر أن يتصل به الآن يسئل عليه و يطمئن على أحواله.

(شريف الصواف)، يعمل في ألمانيا منذ سبع سنين تقريبا مهندسا أيضا في مجال هندسة الكهرباء أو ما شابه.

وضع الموبايل عل أذنه طالبا رقم شريف، ظل الجرس يرن دون رد من شريف، فعاود الإتصال مجددا لعله يرد، ظل الجرس يرن حتي آخر رنة فتح الخط و سمع صوت شريف يقول:

ــــ ألو.

ـــــ شريف حبيب قلبي، عامل أيه، واحشني يلا يا ......(سباب)

رد شريف بإقتضاب:

ــــ إزيك ياكوستا عامل أيه و أنت كمان واحشني.

ــــ أخبارك أيه و أخبار شغلك عامل أيه .

رد شريف في برود مستفز:

ــــ كله ماشي كويس الحمد الله.

ـــــ قولي راجع إجازة أمتى.

ــــ انا في المطار أهو.

رد كوستا في فرح كبير متجاهلا بروده:

ــــ يا ابن ....(سباب)  أنت في مطار القاهرة؟

ــــ لأ انا لسه هناك في مطار المانيا.

ــــ قدامك قد أيه و توصل طيب؟

ــــ أربع ساعات و أكون في القاهرة إن شاء الله.

ــــ طب أنا هجيلك أخدك من المطار، قشطة؟

ــــ طيب مفيش مشكلة، هستناك.

 كوستا:

ــــ قاعد إجازة قد أيه؟

ــــ مش هطول، اسبوع بالكتير.

ــــ لازم ننزل كل يوم.

ــــ أن شاء الله، هقفل معاك دلوقتي عشان أنا في المطار بعمل حاجات.

ــــ سلام يا ....(سباب)

ــــ سلام، أشوفك على خير.

نزع كوستا الموبايل من على أذنه ليغلق الخط فسمع شريف يكمل كلامه فوضع الموبايل مرة أخرى على أذنه فسمع شريف يكمل كلامه قائلا:

ــــ إزيك يا كوستا عامل أيه و أنت كمان واحشني .. كله ماشي كويس الحمد الله .. انا في المطار أهو ..
تعجب كوستا من طريقة شريف في الكلام، لأنه إعتقد أن شريف يكلم شخص ما بجانبه ثم بعد الجملة الثانية أدرك ان شريف يعيد كلام المكالمة التي دارت بينهم، دون أن يسأله أو بحدثه بنفس النبرة و بنفس ردة الفعل، فقاطع شريف قائلا:

ــــ شريف انت بتكلم مين؟

و لكن شريف أكمل:

ــــ لأ انا لسه هناك في مطار المانيا .. أربع ساعات و أكون في القاهرة إن شاء الله .. طيب مفيش مشكلة، هستناك .. مش هطول، اسبوع بالكتير.

توقف كوستا عن السير بعد أن نما الخوف و التوتر بداخله فقاطع شريف بصوت عالي ملفت نظر من حوله في المول:

ــــ شريف أنت بتكلمني أنا؟

و لكن شريف أكمل:

ـــ إن شاء الله، هقفل معاك دلوقتي عشان أنا في المطار بعمل حاجات .. سلام، أشوف...

أغلق كوستا الخط دون أن يكمل، و نظر للموبايل في ذهول، ثم أظهر رقم شريف مرة أخرى و إتصل به مجددا، و ضع الموبايل على أذنه فسمع الصوت المسجل (الرقم الذي طلبته غير متاح حاليا) أغلق الخط و إتصل مرة ثانية و ثالثة ولكن نفس النتيجة.

وضع الموبايل في جيبه، ثم وضع كفه على جبهته يفكر و ينظر حوله في إرتياب غير مبرر،  و الأفكار تتداعي على رأسه ،هل ما حدث شئ تافه لا يستحق الإهتمام أم هناك شئ غير طبيعي، هل هو من كرر كلامه بنفس النبرة و نفس ردة الفعل بدون هفوة أم هو مجرد خطأ تقني و إن كان خطأ تقني فهل هذا معناه أن شركات الإتصالات تسجل المكالمات فعند حدوث خطأ كهذا أعاد التسجيل و لكن بناء على معلوماته أن هذا مستحيل فلا شركات الإتصالات تسجل جميع مكالماتنا و لا هذا خطأ تقني .. لا يعلم أيعير الموضع إهتمام أم يلقيه خلف ظهره، و لكن لم تلق فكرة مكانا مناسبا في رأسه غير أنه لابد ان يتابع ما حدث بإهتمام حتى و إن اتضح أنه شئ تافه في النهاية.   

(كوستا).
قاطعت لينا أفكاره و هي تناديه، إلتفت إليها كوستا و وجهه ممتعض، فقالت له لينا و هي معقودة الحاجبين:

ــــ مالك يا كوستا.

نظر إليها و هو سارح في أفكاره دون أن يرد، فقالت بصوت أعلى:

ــــ كوستا في أيه؟

رد بتوتر و هو يمسك يدها بقوة:

ـــــ يالا عشان هروحك، في مشوار ضروري لازم أعمله.

ــــ مشوار أيه ؟؟!!!! و السينما و الخروجة.

ـــــ معلش يا لينا أنا آسف، هعوضهالك .. أوعدك.

ــــ بجد أنا مش مصدقاك، طبعا ما أنا مش القهوة عشان تكون حريص عليها و البلاي ستيشن ...

أخذت تسترسل في كلام على هذه الشاكلة بعصبية واضحة و لكن كوستا لم يكن يسمع ما تقوله، فقد كان يسترجع مكالمته مع شريف و كأنه يعيد شريط الكاسيت من بداية المكالمة ثم يصل لنهاية المكالمه فيعيد مرة أخرى وهكذا و هكذا، فهذا كان أفضل كثيرا من أن يركز في ثرثرة زوجته التي دائما ما تسمعه نفس الكلام .. خرجا من المول سيرا في عجالة، ركبا السيارة و هو صامت قائدا السيارة بأقصى سرعة تسمح بها الشوارع و زوجته بجانبه مازلت تردد نفس الكلام الذي له علاقة بالبلاي ستيشن و القهوة الذي قالته سابقا و لكن من زاويا متعدده، و صلا عند بيتهم أوقف كوستا السيارة نظر لزوجته مقاطعا حديثها الغاضب:

ــــ لينا هعمل مشوار بسرعة ضروري و هجيلك، لو في وقت هنخرج .. ماشي.

ــــ مش مصدقاك فعلا، انا مش تحت مزاجك يكون في علمك.

تسرب الغضب إلى حواسه ثم قال و هو يفتح لها الباب و يدفعها برفق:

ــــ طيب قشطة إتفضلي.
نزلت لينا من السيارة غاضبة و هي تسير ناحية البناية التي يقطنون فيها.

مازال كوستا في حيرة من أمره، هل هذا الموقف يستحق كل هذا الإهتمام، أخرج الموبايل و بحث عن رقم معين و إتصل به و بعد عدة رنات فتح الطرف الآخر الخط فقال كوستا بإستعجال:

ــــ ألو أيوه يا (طارق).

(طارق محمد) صديق كوستا من أيام المدرسة و علاقتة قوية بشريف الصواف، يعمل في جهة أمنية و لعل كوستا لجأ إليه أملاً في أن  يساعده في تخفيف قلقه أو تفسير أي شئ مما حدث.

إنتهى كوستا من سرد ما حدث في المكالمة لطارق و لكنه وجد طارق صامتا فقال له:

ــــ أنت سامعني ياطارق؟

رد طارق بصوت هادئ رخيم:

ــــ إنت في الطبيعي بتكلم شريف يا كوستا؟.

ـــــ أيه علاقة ده بالموضوع يا طارق.

ــــ لا مفيش علاقة، بس دي أكيد تهنيجة خط يا كوستا أنت مكبر الموضوع بس.

رد كوستا بصوت محبط:

ــــ هو ده اللي قدرت عليه .. شكرا يا عم طارق .. سلام.

ــــ قولي بس هتعمل أيه.

ـــــ هروح لأبوه أحاول أعرف أي حاجة عنه.

ـــــ لا لا إستنى متقلقش أبوه عليه يا عم ده راجل كبير.

عقد كوستا حاجبيه و هويقول:

ــــ أنت مش بتقول تهنيجة خط، ملكش في بقه.

سكت طارق برهة من الوقت ثم رد قائلاً:

ــــ اعمل اللي أنت عايزه، سلام.

أغلق كوستا الخط، وضع الموبايل بجانبه ثم تحرك بالسيارة بسرعة ذاهبا لوالد شريف الصواف.

المعسكر 6 .. الأخيرة

قرب نهاية الليل و قبل بزوغ الشمس بحوالي ساعتين و أكثر .. وقفت الفصيلة على شكل طوابير منتظمة الشكل في أبعد أركان باحة مركز التدريب، متكوم ...